قوله عز وجل:
ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين
الذين وصل إليهم القول
قريش ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وغيره، وقال
أبو رفاعة القرظي :
[ ص: 598 ] نزلت في اليهود في عشرة أنا أحدهم، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري .
وقال الجمهور: معناه واصلنا لهم في القرآن وتابعناه موصولا بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : وفي ذكر الأمم المهلكة، وصلت لهم قصة بقصة، حسب مرور الأيام. وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أن معنى "وصلنا": فصلنا، أي: جعلناه أوصالا من حيث كان أنواعا من القول في معان مختلفة، ومعنى اتصال بعضه ببعض حاصل من جهة أخرى، لكن إنما عدد عليهم ها هنا تقسيمه في أنواع من القول. وذهب الجمهور إلى أن هذا التوصل الذي وصل لهم القول معناه: وصل المعاني من الوعظ والزجر، والأجر وغير ذلك، وذهبت فرقة إلى أن الإشارة بتوصيل القول إنما هي إلى الألفاظ، أي الإعجاز، فالمعنى: ولقد وصلنا لهم قولا معجزا على نبوتك.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
والمعنى الأول تقديره: ولقد وصلنا لهم قولا تضمن معاني من اهتدى. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : "ولقد وصلنا" بتخفيف الصاد. وقوله:
لعلهم يتذكرون أي: يتعظون بالقرآن عن عبادة الأصنام، أو يتذكرون
محمدا فيؤمنوا به.
ثم ذكر تعالى القوم الذين آمنوا من أهل الكتاب مباهيا بهم
قريشا ، واختلف، إلى من الإشارة؟ فقيل: إلى جماعة من اليهود أسلمت وكانت تلقى من الكفار أذى، وقيل: إلى
بحيرى الراهب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14431الزهراوي : إلى
nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي ، وقيل: إلى
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=17317وابن سلام وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
علي بن أبي رفاعة قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب ، فيهم
أبو رفاعة -يعني أباه- فأسلموا، فأوذوا، فنزلت فيهم هذه الآية. والضمير في "قبله" يحتمل أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يعود على القرآن، وما بعد يؤيد هذا، وهو قوله:
وإذا يتلى عليهم . وقوله:
إنا كنا من قبله مسلمين يريدون الإسلام المتحصل لهم من شريعة
موسى وعيسى عليهما السلام. وإيتاء أجرهم مرتين معناه: على ملتين، ولإيمانهم بشريعتين، وهذا المعنى هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652789ثلاثة يؤتيهم الله أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، والعبد الناصح في [ ص: 599 ] عبادة ربه وخدمة سيده، ورجل كانت له أمة فأدبها وعلمها ثم أعتقها وتزوجها .
وقوله تعالى:
بما صبروا عام في صبرهم على ملتهم ثم على هذه وعلى الأذى الذي يلقونه من الكفار وغير ذلك. وقوله تعالى:
ويدرءون معناه: يدفعون، وهذا وصف لمكارم الأخلاق، أي: يتعاونون، ومن قال لهم سوءا لاينوه وقابلوه من القول الحسن بما يدفعه، وهذه آية مهادنة، وهي في صدر الإسلام، وهي مما نسخته آية السيف، وبقي حكمها فيما دون الكفر تتعاطاه أمة
محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وقوله تعالى:
ومما رزقناهم ينفقون مدح لهم بالنفقة في الطاعات، وعلى رسم الشرع، وفي ذلك حض على الصدقات ونحوها.
و "اللغو" لغو القول، واليمين لغو، حسب الخلاف فيهما، وكلام مستمع الخطبة لغو، والمراد من هذا -في هذه الآية- ما كان سبا وأذى ونحوه، فأدب أهل الإسلام الإعراض عنه، والقول -على جهة التبري-
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : اللغو ها هنا ما كان بنو إسرائيل كتبوه في التوراة مما ليس من عند الله تبارك وتعالى.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذه المهادنة هي لبني إسرائيل، الكفار منهم، و
سلام عليكم في هذا الموضع ليس المقصود بها التحية، لكنه لفظ التحية قصد به المتاركة، وهو لفظ مؤنس مستنزل لسامعه; إذ هو في عرف استعماله تحية، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وهذا قبل الأمر بالقتال، و
لا نبتغي الجاهلين معناه: لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمسابة.
[ ص: 600 ]