قوله عز وجل:
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
اختلف الناس في السبب في قوله تعالى:
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: سببها أن بعض المنافقين قال: إن
محمدا له قلبان; لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأول، فقالوا ذلك عنه، فنفاه الله تعالى. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا: بل سببه أنه كان في
قريش في
بني فهر رجل فهم يدعي أن له قلبين; ويقال له:
ذو القلبين، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي : وهو
ابن معمر ، وكان
[ ص: 87 ] يقول: أنا أذكى من
محمد وأفهم، فلما وقعت هزيمة
بدر طاش لبه، وحدث
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان بن حرب كالمختل فنزلت الآية بسببه ونفيا لدعواه. وقيل: إنه كان
ابن خطل. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14431الزهراوي : جاء هذا اللفظ على جهة المثل في
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة والتوطئة لقوله تعالى:
وما جعل أدعياءكم أبناءكم ، أي: كما ليس لأحد قلبان، كذلك ليس دعيه ابنه.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويظهر من الآية أنها بجملتها نفي لأشياء كانت
العرب تعتقدها في ذلك الوقت، وإعلام بحقيقة الأمر، فمنها أن بعض
العرب كانت تقول: إن الإنسان له قلبان قلب يأمره وقلب ينهاه، وكان تضاد الخواطر يحملها على ذلك، ومن هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=15102الكميت :
فتذكر من أنى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الإبل
والناس حتى الآن يقولون إذا وصفوا أفكارهم في شيء ما: يقول لي أحد قلبي كذا، ويقول الآخر كذا، وكذا كانت
العرب تعتقد الزوجة إذا ظوهر منها بمنزلة الأم وتراه طلاقا، وكانت تعتقد الدعي المتبنى ابنا، فأعلم الله تبارك وتعالى أنه لا أحد بقلبين، ويكون في هذا أيضا طعن على المنافقين الذين تقدم ذكرهم، أي: إنما هو قلب واحد، فإما حله إيمان وإما حله كفر; لأن درجة النفاق كأنها متوسطة يؤمن قلب ويكفر الآخر، فنفاها الله تعالى، وبين أنه قلب واحد، وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية متى نسي شيئا أو وهم، يقول على جهة الاعتذار:
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ،
[ ص: 88 ] أي: إذا نسي قلبه الواحد يذكره الآخر، وكذلك أعلم أن الزوجة لا تكون أما، وأن الدعي لم يجعله ابنا.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير : "اللاء" دون ياء، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير : "اللاي" بياء ساكنة من غير همز، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش بياء مكسورة من غير همز، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش بهمزة مكسورة بعدها ياء.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر : "تظاهرون" بشد الظاء وألف، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبو جعفر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : "تظاهرون" بضم التاء وتخفيف الظاء، وأنكرها
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو ، وقال: إنما هذا في المعاونة.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وليس بمنكر، ولفظة ظهار تقتضيه. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة وأبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : "تظاهرون" بفتح التاء والظاء المخففة. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو : "تظهرون" بشد الظاء والهاء دون ألف، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340يحيى بن وثاب : "تظهرون" بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء، وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب "تتظهرون" بتاءين، وكانت
العرب تطلق وتقول: "أنت مني كظهر أمي" فنزلت الآية، وأنزل الله تبارك وتعالى كفارة الظهار، وتفسير الظهار وبيانه أثبتناه في سورة المجادلة.
وقوله تعالى:
وما جعل أدعياءكم أبناءكم الآية، سببها
أن nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة كانوا يدعونه زيد بن محمد ، وذلك أنه كان عبدا nindex.php?page=showalam&ids=10640لخديجة ، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام معه مدة، ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم - وذلك قبل البعث -: "خيراه، فإن اختاركما فهو لكما دون فداء"، فخيراه فاختار الرق مع محمد صلى الله عليه وسلم على حريته وقومه، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش، اشهدوا أنه ابني، يرثني وأرثه"، فرضي بذلك أبوه وعمه وانصرفا. [ ص: 89 ] وقوله:
"بأفواهكم" تأكيد لبطلان القول، أي أنه لا حقيقة له في الوجود، إنما هو قول فقط، وهذا كما تقول: "أنا أمشي إليك على قدم"، فإنما تؤكد بذلك المسيرة، وهذا كثير. و"يهدي" معناه: يبين، وهو يتعدى بغير حرف جر، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : "يهدي" بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال، و"السبيل" هو سبيل الشرع والإيمان.
nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم - في رواية
جعفر - يقفون "السبيلا"، ويطرحونها في الوصل، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم بالألف وصلا ووقفا، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة بغير ألف وصلا ووقفا، وهذا كله في غير هذا الموضع، واتفقوا هنا خاصة على طرح الألف وصلا ووقفا لمكان ألف الوصل التي تلقى اللام.