قوله عز وجل:
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا
قوله:
"وما كان" لفظه النفي ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا، وهذه العبارة: "ما كان" و "ما ينبغي" ونحوها تجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون، وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا، كقوله:
ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ، وربما كان العلم بامتناعه شرعا، كقوله تعالى:
وما كان لبشر أن يكلمه الله ، وربما كان حظره بحكم شرعي كهذه الآية، وربما كان في المندوبات، كما تقول: "ما كان لك يا فلان أن تترك النوافل" ونحو هذا.
وسبب هذه الآية فيما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش ، فظنت أن الخطبة لنفسه، فلما بين أنه إنما يريدها لزيد بن حارثة كرهت وأبت، فنزلت الآية، فأذعنت nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب حينئذ وتزوجته، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : إنما
[ ص: 121 ] أنزلت بسبب
أن nindex.php?page=showalam&ids=11720أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ، فكرهت ذلك هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها غيره. فنزلت الآية بسبب ذلك، فأجابا إلى تزويج
زيد.
و"الخيرة": مصدر بمعنى التخير، وهذه الآية في ضمن قوله تعالى:
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم . وهذه الآية تقوي في قوله تعالى:
وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة أن "ما" نافية لا مفعولة.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبو جعفر ،
وشيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16748وعيسى : "أن تكون" بالتاء على لفظ "الخيرة". وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
nindex.php?page=showalam&ids=12067وأبو عبد الرحمن : "أن يكون" على معنى "الخيرة"، وأن تأنيثها غير حقيقي، وقوله في الآية الأخرى:
ما كان لهم الخيرة دون علامة تأنيث يقوي هذه القراءة التي بالياء.
ثم توعد عز وجل وأخبر أن من يعص الله ورسوله فقد ضل، وهذا العصيان يعم الكفر فما دونه، وكل عاص يأخذ من الضلال بقدر معصيته.
ثم عاتب تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله: "وإذ تقول" الآية. واختلف الناس في تأويلها، فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد ، وجماعة من المفسرين - منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وغيره - إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان
nindex.php?page=showalam&ids=15953لزينب وهي في عصمة
زيد، وكان حريصا على أن يطلقها
زيد فيتزوجها هو، ثم إن
زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها، ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له: "اتق الله"، أي: فيما تقول عنها، و
أمسك عليك زوجك ، وهو يخفي الحرص على طلاق
زيد إياها، وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف. وقالوا: خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالة الناس في ذلك، فعاتبه الله تعالى على جميع هذا.
[ ص: 122 ] وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة : "ما الله مظهره"، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليه من هذه الآية، وقال هو
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة رضي الله عنهما: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد في نحو هذا القول
أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب زيدا في داره فلم يجده، ورأى nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب حاسرة فأعجبته فقال: "سبحان الله مقلب القلوب" وروي في هذه القصة أشياء يطول ذكرها، وهذا الذي ذكرناه مستوف لمعانيها.
وذهب قوم من المتأولين إلى أن الآية لا كبير عتب فيها، ورووا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين nindex.php?page=hadith&LINKID=656870أنه قد أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زيدا يطلق nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية: "اتق الله" - أي في أقوالك "وأمسك عليك زوجك"، وهو يعلم أنه سيفارقها. وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم من أنه سيتزوجها، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بعد
زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله تعالى بأن قال: "أمسك" مع علمه أنه يطلق، وأعلمه أن الله أحق بالخشية، أي في كل حال.
[ ص: 123 ] وقوله تعالى:
أنعم الله عليه أي بالإسلام وغيره،
وأنعمت عليه أي بالعتق، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15953وزينب هي بنت جحش هي بنت
nindex.php?page=showalam&ids=10427أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم أعلم تعالى أنه زوجها منه لما قضى
زيد وطره منها لتكون سنة للمسلمين في أزواج أدعيائهم، وليبين أنها ليست كحرمة النبوة، وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=659575أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد : "ما أجد في نفسي أوثق منك، فاخطب nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب علي"، قال: فذهبت ووليتها ظهري توقيرا للنبي عليه الصلاة والسلام، وخطبتها ففرحت وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها.
و"الوطر": الحاجة والبغية، والإشارة هنا إلى الجماع، وروى
جعفر بن محمد عن آبائه
nindex.php?page=hadith&LINKID=665507عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وطرا زوجتكها". وذهب بعض الناس من هذه الآية ومن قول
شعيب: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين إلى أن ترتيب هذا المعنى في المهور ينبغي أن يكون: "أنكحه إياها" فيقدم ضمير الزوج لما في الآيتين، وهذا عندي غير لازم، لأن الزوج في الآية مخاطب فحسن تقديمه، وفي المهور الزوجان غائبان فقدم من شئت، ولم يبق ترجيح إلا بدرجة الرجال وأنهم القائمون.
وقوله تعالى:
وكان أمر الله مفعولا فيه حذف مضاف تقديره: "وكان حكم أمر الله" أو "مضمن أمر الله"، وإلا فالأمر قديم لا يوصف بأنه مفعول، ويحتمل - على بعد - أن يكون "الأمر" واحد الأمور أي التي شأنها أن تفعل. وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=15953وزينب تفاخرتا، فقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها: أنا التي سبقت صفتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة
[ ص: 124 ] في سرقة حرير، وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب رضي الله عنها: أنا التي زوجني الله من فوق سبع سموات. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=848760كانت nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن، أن جدي وجدك واحد، وإن الله أنكحك إياي من السماء، وأن السفير في ذلك. جبريل.