[ ص: 195 ] قوله عز وجل:
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب
أمره الله تعالى في هذه الآية بالتبري من طلب الدنيا وطلب الأجر على الرسالة، وتسليم كل دنيا إلى أربابها، والتوكل على الله في الأجر وجزاء الحد، والإقرار بأنه شهيد على كل شيء من أفعال البشر وأقوالهم وغير ذلك.
وقوله تعالى:
يقذف بالحق يريد: بالوحي وآيات القرآن، واستعار له القذف من حيث كان الكفار يرمون بآياته وحكمه، وقرأ الجمهور: "علام" بالرفع، أي: هو علام، ونصبها
nindex.php?page=showalam&ids=16748عيسى بن عمر ،
وابن أبي إسحاق ، إما على البدل من اسم "إن"، أو على المدح، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : "وهو علام الغيوب"، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : "الغيوب" بكسر الغين.
وقوله:
قل جاء الحق يريد الشرع وأمر الله ونهيه، وقال قوم: يعني السيف. وقوله:
وما يبدئ الباطل وما يعيد ، قالت فرقة: الباطل غير الحق، من الكذب والكفر ونحوه، استعار له الإبداء والإعادة ونفاهما عنه، كأنه قال: وما يصنع الباطل شيئا. وقالت فرقة: الباطل: الشيطان، والمعنى: ما يفعل الباطل شيئا مفيدا، أي: ليس يخلق ولا يرزق. وقالت فرقة: "ما" استفهام، كأنه قال: وأي شيء يصنع الباطل؟
وقرأ الجمهور:
"ضللت" بفتح اللام، "فإنما أضل" بكسر الضاد، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=17340وابن وثاب : "ضللت" بكسر اللام "أضل" بفتح اللام، وهي لغة
بني تميم.
وقوله:
"فبما" يحتمل أن يكون بمعنى الذي، ويحتمل أن تكون "ما" مصدرية، و"قريب" معناه: بإحاطته وإجابته وقدرته.
واختلف المتأولون في قوله تعالى:
ولو ترى الآية، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك : هذا في عذاب الدنيا، وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=396ابن أبزى قال: ذلك في جيش يغزو الكعبة فيخسف بهم في بيداء من الأرض، ولا ينجو إلا رجل من
جهينة، فيخبر الناس
[ ص: 196 ] بما نال الجيش، قالوا: بسببه قيل:
وعند جهينة الخبر اليقين
وهذا قول بعيد، وروي في هذا المعنى حديث مطول عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أنه ضعيف السند مكذوب فيه على
داود بن الجراح وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : ذلك في الكفار في
بدر ونحوها. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن: ذلك في الكفار عند خروجهم من القبور في القيامة. وهذا أرجح الأقوال عندي.
وأما معنى الآية فهو التعجب من حالهم إذا فزعوا من أخذ الله إياهم، ولم يتمكن لهم أن يفوت منهم أحد، وقوله:
من مكان قريب معناه: أنهم للقدرة قريب حيث كانوا، قيل: من تحت الأقدام، وهذا يتوجه على بعض الأقوال، والذي يعم جميعها أن يقال: إن الأخذ يجيئهم من قرب في طمأنينتهم، بينا الكافر يؤمل ويظن ويترجى إذ غشيه الأخذ، ومن غشيه أخذ من قريب فلا حيلة له ولا روية، وقرأ الجمهور: "وأخذوا"، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف : "فلا فوت وأخذ"، كأنه قال: وحالهم أخذ.