قوله عز وجل:
فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا [ ص: 507 ] وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد
اللام في قوله تعالى:
"فلذلك" قالت فرقة: هي بمنزلة "إلى"، كما قال تعالى:
بأن ربك أوحى لها أي: إليها، كأنه قال: فإلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد فادع، وقالت فرقة: بل هي بمعنى "من أجل"، كأنه قال: فمن أجل أن الأمر كذا ولكونه كذا، فادع أنت إلى ربك وبلغ ما أرسلت به.
وخوطب صلى الله عليه وسلم بأمر الاستقامة، وهو عليه الصلاة والسلام قد كان مستقيما، بمعنى: دم على استقامتك، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عين النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت شديدة الموقع من نفسه، أعني قوله تعالى:
واستقم كما أمرت لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوة، وفي هذا المعنى قال عليه الصلاة والسلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=939419 "شيبتني هود وأخواتها"، فقيل له: لم ذلك؟ فقال: لأن فيها
فاستقم كما أمرت ، وهذا الخطاب له صلى الله عليه وسلم بحسب قوته في أمر الله تعالى، وقال هو عليه الصلاة والسلام لأمته بحسب ضعفهم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=676786 "استقيموا ولن تحصوا".
وقوله تعالى:
ولا تتبع أهواءهم يعني: قريشا فيما كانوا يهوونه من أن يعظم
محمد صلى الله عليه وسلم آلهتهم وغير ذلك، ثم أمره تبارك وتعالى أن يؤمن بالكتب المنزلة قبله من عند الله تعالى، وهو أمر يعم سائر أمته.
وقوله تعالى:
وأمرت لأعدل بينكم : قالت فرقة: اللام" في
"لأعدل" بمعنى: أن، لأن التقدير: بأن أعدل بينكم. وقالت فرقة: المعنى: وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل ، فحذف من الكلام ما يدل الظاهر عليه.
وقوله تعالى:
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم إلى آخر الآية منسوخ
[ ص: 508 ] ما فيه من موادعة بآية السيف. وقوله:
لا حجة بيننا وبينكم أي: لا جدال ولا مناظرة، قد وضح الحق وأنتم تعاندون، وفي قوله:
الله يجمع بيننا وعيد.
وقوله تعالى:
والذين يحاجون في الله : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضى الله عنهما،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد : إنها نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومجادلتهم بأن قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فديننا أفضل، فنزلت الآية في ذلك، وقيل: بل نزلت في
قريش، لأنها كانت أبدا تحاول هذا المعنى، وتطمع في رد الجاهلية، و
يحاجون في الله معناه: في توحيد الله، أي: بالإبطال والإلحاد وما أشبه، والضمير في:
من بعد ما استجيب له يحتمل أن يعود على الله تعالى، أي: بعد ما دخل في دينه، ويحتمل أن يعود على الدين والشرع، ويحتمل أن يعود على
محمد صلى الله عليه وسلم، و"داحضة" معناه: زاهقة. والدحض: الزلق، وباقي الآية بين.