وقوله تعالى:
اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور
هذه الآية وعظ وتبيين لأمر الدنيا وضعة منزلتها، و "أنما" سادة مسد المفعولين للعلم بأنها لا تدخل على اثنين، وهي -وإن كفت عن العمل- فالجملة بعدها نافية. و "الحياة الدنيا" في هذه الآية عبارة عن الأشغال والتصرفات والفكر التي هي مختصة بالحياة الدنيا، وأما ما كان من ذلك في طاعة الله وسبيله، وما كان من الضرورات التي
[ ص: 235 ] تقيم الأود وتعين على الطاعات، فلا مدخل له في هذه الآية، وتأمل حال الملوك بعد فقرهم بين لك أن جميع ترفهم لعب ولهو. و"الزينة" التحسين الذي هو خارج من ذات الشيء، و"التفاخر" هو بالأنساب والأموال وغيرها، و"التكاثر" هو الرغبة في الدنيا، وعددها لتكون العزة للكائر على المذهب الجاهلي.
ثم ضرب تعالى مثل الدنيا، فالكاف في قوله تعالى: "كمثل" في موض رفع صفة لما تقدم، وصورة هذا المثل أن الإنسان ينشأ في حجر مملكة فما دون ذلك، فيشيخ ويضعف ويسقم وتصيبه النوائب في ماله وذريته ويموت ويضمحل أمره، وتصير أمواله لغيره وتتغير رسومه، فأمره مثل مطر أصاب أرضا فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق، ثم هاج، أي: يبس واصفر ثم تحطم ثم تفرق بالرياح واضمحل.
واختلف المتأولون في لفظة "الكفار" هنا، فقال بعض أهل التأويل: هو من الكفر بالله تعالى، وذلك لأنهم أشد تعظيما للدنيا، وأشد إعجابا بمحاسنها، وقال آخرون منهم: هو من "كفر الحب" أي: ستره في الأرض، وهم الزراع، وخصهم بالذكر لأنهم أهل البصر بالنبات والفلاحة فلا يعجبهم إلا المعجب حقيقة الذي لا عيب فيه، و"هاج الزرع" معناه: يبس واصفر، و"حطام" بناء مبالغة، يقال حطيم وحطام بمعنى محطوم أو متحطم، كعجيب وعجاب بمعنى معجب أو متعجب منه.
ثم قال تعالى:
وفي الآخرة عذاب شديد ، كأنه تعالى قال: والحقيقة ماهنا... ثم ذكر العذاب أولا تهمما به من حيث الحذر في الإنسان ينبغي أن يكون أولا، فإذا تحذر من المخاوف مد حينئذ أمله، فذكر الله تعالى ما يحذر قبل ما يطمع فيه وهو المغفرة والرضوان، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ضم الراء من "ورضوان".
و "متاع الغرور" معناه: الشيء الذي لا يعظم الاستمتاع به إلا مغتر، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة وغيره: متاع الغرور: القوارير، لأن الفساد والآفات تسرع إليها، فالدنيا كذلك أو هي أشد.
[ ص: 236 ]