قوله عز وجل:
إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا [ ص: 248 ] خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم
هذه الآيات نزلت في المنافقين وقوم من اليهود كانوا في
المدينة يتمرسون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتربصون به الدوائر، ويدبرون عليه، ويتمنون فيهم المكروه، ويتناجون بذلك، فنزلت هذه الآيات إلى آخر أمر النجوى فيهم.
و"المحادة": أن يعطي الإنسان صاحبه حد قوله أو سلاحه وسائر أفعاله، وقال قوم: هو أن يكون الإنسان في حد وصاحبه في حد مخالف. و "كبت الرجل" إذا بقي حزينا يبصر ما يكره ولا يقدر على دفعه، وقال قوم -منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة -: أصله: كبدوا، أي: أصابهم داء في أكبادهم، فأبدلت الدال تاء، وهذا غير قوي. و"الذين من قبلهم" هم منافقو الأمم الماضية الذين حادوا الرسل عليهم الصلاة والسلام قديما وقوله تعالى:
وقد أنزلنا آيات بينات يريد: في هذا القرآن، فليس هؤلاء المنافقون بأعذر من المتقدمين.
وقوله تعالى:
يوم يبعثهم الله ، العامل في "يوم" "مهين"، ويحتمل أن يكون فعلا مضمرا تقديره: اذكر. وقوله تعالى: "ونسوه" نسيان على بابه; لأن الكافر لا يحفظ تفاصيل أعماله ولما أخبر تعالى أنه على كل شيء شهيد وقف
محمد صلى الله عليه وسلم توقيفا تشاركه فيه أمته.
وقوله تعالى:
من نجوى ثلاثة ، يحتمل "نجوى" أن يكون مصدرا مضافا إلى "ثلاثة"، كأنه تعالى قال: من سرار ثلاثة، ويحتمل "نجوى" أن يكون المراد به جمعا من الناس سمى بالمصدر، كما قال تعالى في آية أخرى:
وإذ هم نجوى أي: أولو نجوى، فيكون قوله تعالى: "ثلاثة" -على هذا- بدلا من "نجوى" أوصفة، وفي هذا نظر، وقوله تعالى:
إلا هو رابعهم أي: بعلمه وإحاطته ومقدرته، وقرأ جمهور
[ ص: 249 ] الناس: "ما يكون" وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر القارئ ،
وأبو حيوة: "ما تكون" بالتاء منقوطة من فوق، وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه: "ولا أربعة إلا الله خامسهم" ، وكذلك: "إلا الله رابعهم" و"إلا الله سادسهم"، وقرأ جمهور القراء: "ولا أكثر" عطفا على اللفظ المخفوض، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
وابن أبي إسحاق : "ولا أكثر" بالرفع عطفا على الموضع; لأن التقدير: ما يكون نجوى، ومن جعل النجوى مصدرا محضا قدر قبل "أدنى" فعلا تقديره: ولا يكون أدنى، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل بن أحمد : "ولا أكبر" بالباء واحدة من تحت، وباقي الآية بين.