قوله عز وجل:
وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا
قوله تعالى: "وذرني والمكذبين" وعيد لهم، ولم يتعرض أحد لمنعه منهم لكنه إبلاغ بمعنى: لا تشغل بهم فكرا، وكلهم إلي. و"النعمة" غضارة العيش وكثرة المال، والمشار إليهم كفار
قريش أصحاب القليب
ببدر، ويروى أنه لم يكن بين نزول هذه الآية وبين
بدر إلا مدة يسيرة نحو عام وليس الأمر كذلك، والتقدير الذي يعضده الدليل من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتضي أن بين الأمرين نحو عشرة سنين، ولكن ذلك قليل أمهلوه.
و"لدينا" بمنزلة: عندنا، و"الأنكال" جمع نكل وهو القيد من الحديد، ويروى أنها قيود سود من نار. و"الطعام ذو الغصة": شجرة الزقوم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وغيره، وقيل:
[ ص: 445 ] شوك من نار وتعترض في حلوقهم لا تخرج ولا ينزل، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما، وكل مطعوم هناك فهو ذو غصة، وروي
أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فصعق. والعامل في قوله تعالى: "يوم" الفعل الذي تضمنه قوله سبحانه "إن لدينا"، وهو استقرار أو ثبوت. و"الرجفان": الاهتزاز والاضطراب من فزع وهول، و"المهيل": اللين الرخو الذي يذهب بالريح ويجيء، فهي تهيلة، والأصل مهيول، استثقلت الضمة على الياء فسكنت، واجتمع ساكنان فحذفت الواو، وكسرت الهاء بسبب الياء.
وقوله تعالى: "إنا أرسلنا" الآية.... خطاب للعالم، لكن المواجهون قريش، وقوله تعالى
شاهدا عليكم نحو قوله عز وجل:
وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ، وتمثيله لهم أمرهم بفرعون وعيد، كأنه تعالى يقول: فحالهم من العذاب والعقاب إن كفروا سائرة إلى مثل حال
فرعون. وقوله تعالى:
فعصى فرعون الرسول يريد تعالى
موسى عليه السلام، والألف واللام للعهد، و"الوبيل": الشديد الرديء العقبى، يقال: كلأ وبيل ومستوبل إذا كان ضارا لما يرعاه.
وقوله تعالى:
فكيف تتقون معناه: كيف تجعلون واقيا لأنفسكم، و"يوما" مفعول بـ "تتقون"، وقيل: هو مفعول بـ "كفرتم" على أن تجعله بمنزلة "جحدتم"، فـ "تتقون" -على هذا- من التقوى، أي تتقون عقاب الله، ويجوز أن يكون "يوما" ظرفا والمعنى تتقون عقاب الله يوما "ويجعل" يصح أن يكون مسندا إلى اسم الله تعالى، ويصح أن يكون مسندا إلى اليوم، وقوله تعالى: "الولدان" يريد به صغار الأطفال، وقال قوم: هذه حقيقة، فتشيب رؤوسهم من شدة الهول، يرى الشيب في الدنيا من الهم المفرط كهول البحر ونحوه، وقال آخرون من المتأولين: هو تجوز وإبلاغ في
[ ص: 446 ] وصف هول ذلك اليوم، وواحد الولدان: وليد، وواحد الشيب أشيب.
وقوله تعالى:
السماء منفطر به قيل: هذا على النسب، أي ذات انفطار، كامرأة حائض وطالق، وقيل: السماء تذكر وتؤنث، وينشد في التذكير:
فلو رفع السماء إليه قوما ... لحقنا بالسماء مع السحاب
وقيل من حيث لم يكن تأنيثها حقيقيا جاز أن تسقط علامة التأنيث لها، وقيل: لم يرد باللفظة قصد السماء بعينها، وإنما أراد ما علا من مخلوقات الله تعالى، كأنه قصد السقف فذكر على هذا المعنى، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17150منذر بن سعيد ،
وأبو عبيدة معمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، و"الانفطار" التصدع والانشقاق على غير نظام يقصد، والضمير في "به" قال
منذر وغيره: هو عائد على اليوم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : هو عائد على الله تعالى، وهذا نظير قوله تعالى:
ويوم تشقق السماء بالغمام أى بالغمام الذي هو ظلل يأتي الله تعالى فيها، والمعنى: يأتي أمره وقدرته، وكذلك "منفطر به" أي بأمره وسلطانه، والضمير في قوله تعالى "وعده" ظاهر أنه لله تعالى، ويحتمل أن يكون لليوم لأنه يضاف إليه من حيث هو فيه.