قوله عز وجل:
ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم [ ص: 455 ] قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر
قوله تعالى:
ذرني ومن خلقت وعيد محض، والمعنى: أنا أكفي عقابه وشأنه كله، ولا خلاف بين المفسرين أن هذه الآية نزلت في
الوليد بن المغيرة المخزومي، فيروي أنه كان يلقب بالوحيد أي لأنه لا نظير له في ماله وشرفه في بيته، فذكر "الوحيد" في الآية في جملة النعمة التي أعطي، وإن لم يثبت هذا، فقوله تعالى: "خلقت وحيدا" معناه: منفردا قليلا ذليلا، فجعلت له المال والبنين، فجاء ذكر الوحدة مقدمة حسن معها موقع المال والبنين، وقيل: المعنى: خلقته وحدي لم يشركني فيه أحد، فـ "وحيدا" حال من التاء في "خلقت".
و"المال الممدود" قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير : هو ألف دينار، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان : بلغني أنه أربعة آلاف، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، وقيل: عشرة آلاف.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهذا مد في العدد.
وقال
النعمان بن سالم : هي الأرض لأنها مدت، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه: المال الممدود: الريع المستغل مشاهرة، فهو مد في الزمان لا ينقطع.
"وبنين شهودا" معناه: حضورا متلاحقين، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : كان له عشرة من الولد، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير : كان له ثلاثة عشر، و"التمهيد" التوطئة والتهيئة، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان : المعنى: بسطت له العيش بسطا.
وقوله تعالى: "ثم يطمع أن أزيد" وصفه لجشع
الوليد ورغبته في الازدياد من الدنيا، وقوله تعالى: "كلا" زجر ورد على أمنية هذا المذكور، ثم ذكر تعالى عنه أنه كان معاندا مخالفا لآيات الله وعبره، يقال: بعير عنود للذي يمشي مخالفا للإبل، ويحتمل أن يريد بالآيات آيات القرآن، وهو الأصح في التأويل سبب كلام
الوليد في
[ ص: 456 ] القرآن بأنه سحر، و"أرهقه" معناه: أكلفه بمشقة وعسر،
nindex.php?page=hadith&LINKID=939640و"صعودا" عقبة في جهنم، وروى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، كلما وضع عليها شيء من الإنسان ذاب، والصعود في اللغة: العقبة الشاقة.
قوله تعالى مخبرا عن
الوليد "إنه فكر وقدر" الآية. روى جمهور من المفسرين أن
الوليد سمع من القرآن ما أعجبه ومدحه، ثم سمع كذلك مرارا حتى كاد أن يقارب الإسلام، ودخل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرارا، فجاءه
أبو جهل فقال: يا
وليد، أشعرت أن
قريشا قد ذمتك بدخولك إلى
ابن أبي قحافة ، وزعمت أنك إنما تقصد أن تأكل طعامه؟ وقد أبغضتك لمقاربتك أمر
محمد، وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في هذا الكلام قولا يرضيهم، ففتنه
أبو جهل فافتتن، وقال: افعل ذلك، ثم فكر فيما عسى أن يقول في القرآن، فقال: أقول هو شعر، ما هو بشعر، أقول: هو كاهن، ما هو بكاهن، أقول: هو سحر يؤثر، هو قول البشر، أي: ليس منزلا من عند الله تعالى، قال أكثر المفسرين: فقوله تعالى:
فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر هو دعاء عليه وتقبيح لحاله، أي أنه ممن يستحق ذلك. وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري وجماعة غيره أن
الوليد حاج
أبا جهل وجماعة من
قريش في أمر القرآن، وقال: والله إن له لحلاوة وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناه، وإنه ليحكم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى، ونحو هذا من الكلام، فخالفوه فقالوا له: هو شعر، فقال: والله ما هو بشعر، ولقد عرفنا الشعر هزجه وبسيطه، قالوا: فهو مجنون، قال: والله ما هو بمجنون، ولقد رأينا
[ ص: 457 ] الجنون وخنقه، قالوا: هو سحر، قال أما هذا فيشبه أنه سحر ويقول أقوال نفسه.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
فيحتمل قوله تعالى:
فقتل كيف قدر أن يكون دعاء عليه على معنى تقبيح حاله، ويحتمل أن يكون دعاء مقتضاه استحسان منزعه الأول في مدحه القرآن، وفي نفيه الشعر والكهانة والجنون عنه، فيجري هذا مجرى قول النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي جندل بن سهيل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=674307 "ويل أمه مسعر حرب"، ومجرى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان : قاتل الله كثيرا، كأنه رآنا حين قال كذا، وهذا معنى مشهور في كلام
العرب.
ثم وصف تعالى إدباره واستكباره وأنه ضل عند ذلك وكفر، وإذا قلنا إن ذلك دعاء على مستحسن فعله فيجيء قوله تعالى: "ثم نظر" فيما احتج به القرآن فرأى ما فيه من علو مرتبة
محمد صلى الله عليه وسلم فعبس لذلك وبسر، أي قطب وقبض ما بين عينيه وأربد وجهه حسدا له فأدبر، أي ارتكس في ضلاله، وزال إقباله أولا ليهتدي ولحقته الكبرياء، وقال: هذا سحر يؤثر، ومعناه: يروى ويحمل، أي يحمله
محمد عن غيره، وعلى التأويل الأول أن الدعاء عليه دعاء على مستقبح فعله يجيء قوله تعالى "ثم نظر" معنى
[ ص: 458 ] معادا بعينه; "لأن فكر" وقدر يقتضيه لكنه إخبار بترديده النظر في الأمر، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا
الوليد، فقال له: انظر وفكر، فلما فكر قال ما تقدم.