[ ص: 237 ] قوله عز وجل:
إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: العامل في "إذ" قوله تعالى:
ومكر الله وقال غيره من النحاة:
العامل فعل مضمر تقديره: اذكر، وهذا هو الأصوب. وهذا القول هو بواسطة الملك لأن
عيسى ليس بمكلم.
و "عيسى" اسم أعجمي معرف فلذلك لا ينصرف، وهو بالسريانية- إيسوع- عدلته
العرب إلى "عيسى" .
واختلف المفسرون في هذا التوفي; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع: هي وفاة نوم، رفعه الله في منامه، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=17096ومطر الوراق ومحمد بن جعفر بن الزبير وجماعة من العلماء: المعنى: أني قابضك من الأرض ومحصلك في السماء فهو توفي قبض وتحصيل، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: هي وفاة موت، معناه: أني مميتك، هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ولم يفسر. فقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه: توفاه الله بالموت ثلاث ساعات ورفعه فيها، ثم أحياه الله بعد ذلك عنده في السماء وفي بعض الكتب: سبع ساعات. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: هي وفاة موت ولكن المعنى: إني متوفيك في آخر أمرك عند نزولك وقتلك
الدجال، ففي الكلام تقديم وتأخير، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في جامع العتبية: مات
عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. ووقع في كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي عن قوم: إن معنى "متوفيك" متقبل عملك، وهذا ضعيف من جهة اللفظ.
وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن
عيسى عليه السلام في [ ص: 238 ] السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل ويظهر هذه الملة، ملة
محمد، ويحج
البيت ويعتمر، ويبقى في الأرض أربعا وعشرين سنة، وقيل أربعين سنة، ثم يميته الله تعالى.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله : فقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه: هي وفاة موت لا بد أن يتم، إما على قول
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه، وإما على قول
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء، وقوله تعالى:
ورافعك إلي عبارة عن نقله إلى علو من سفل، وقوله: "إلي" إضافة تشريف لما كانت سماءه والجهة المكرمة المعظمة المرجوة، وإلا فمعلوم أن الله تعالى غير متحيز في جهة، وقوله تعالى:
ومطهرك حقيقة التطهير إنما هي من دنس ونحوه، واستعمل ذلك في السب والدعاوى والآثام وخلطة الشرار ومعاشرتهم، تشبيها لذلك كله بالأدناس، فطهر الله العظيم
عيسى من دعاوى الكفرة ومعاشرتهم القبيحة له.
وقوله تعالى:
وجاعل اسم فاعل للاستقبال، وحذف تنوينه تخفيفا، وهو متعد إلى مفعولين، لأنه بمعنى مصير، فأحدهما "الذين" ، والآخر في قوله:
فوق الذين كفروا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد: الذين اتبعوه هم النصارى، والذين كفروا هم اليهود، والآية مخبرة عن إذلال اليهود وعقوبتهم بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة. فخصص
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد المتبعين والكافرين وجعله حكما دنيويا لا فضيلة فيه للمتبعين الكفار منهم بل كونهم فوق اليهود عقوبة لليهود فقط، وقال جمهور المفسرين بعموم اللفظ في المتبعين، فيدخل في ذلك أمة
محمد صلى الله عليه وسلم لأنها متبعة
لعيسى، نص على ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وغيره، وكذلك قالوا بعموم اللفظ في الكافرين. فمقتضى الآية إعلام
عيسى عليه السلام أن أهل الإيمان به كما يجب هم فوق الذين كفروا بالحجة والبرهان وبالعزة والغلبة، ويظهر من قول
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وغيره أن المراد المتبعون له في وقت استنصاره وهم الحواريون، جعلهم الله فوق الكافرين لأنه شرفهم وأبقى لهم في
[ ص: 239 ] الصالحين ذكرا، فهم فوقهم بالحجة والبرهان، وما ظهر عليهم من أمارات رضوان الله. وقوله تعالى
ثم إلي مرجعكم الخطاب
لعيسى، والمراد الإخبار بالقيامة والحشر، فلذلك جاء اللفظ عاما من حيث الأمر في نفسه لا يخص
عيسى وحده فكأنه قال له: ثم إلي - أي إلى حكمي وعدلي - يرجع الناس، فخاطبه كما تخاطب الجماعة إذ هو أحدها، وإذ هي مرادة في المعنى، وفي قوله تعالى: "فأحكم" .. إلى آخر الآية، وعد
لعيسى والمؤمنين ووعيد للكافرين.
وقوله تعالى:
فأما الذين كفروا الآية، إخبار بما يجعل عليه حالهم من أول أمرهم، وليس بإخبار عما يفعل بعد يوم القيامة، لأنه قد ذكر الدنيا وهي قبل. وإنما المعنى: فأما الكافرون فالصنع بهم أنهم يعذبون عذابا شديدا في الدنيا بالأسر والقتل والجزية والذل، ومن لم ينله منهم فهو تحت خوفه إذ يعلم أن شرع الإسلام طالب له بذلك، وقد أبرز الوجود هذا. وفي الآخرة معناه: بعذاب النار، ثم ذكر قسم الإيمان وقرن به الأعمال الصالحات تنبيها على درجة الكمال ودعاء إليها.
وقرأ
حفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم "فيوفيهم" بالياء على الغيبة، والفعل مسند إلى الله تعالى، وقرأ الباقون
وأبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم "فنوفيهم" بالنون، وهي نون العظمة. وتوفية الأجور هي قسم المنازل في الجنة فذلك هو بحسب الأعمال، وأما نفس دخول الجنة فبرحمة الله وبفضله. وتقدم نظير قوله:
والله لا يحب الظالمين في قوله قبل:
فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين .