1. الرئيسية
  2. تفسير ابن عطية
  3. تفسير سورة آل عمران
  4. تفسير قوله عز وجل ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا
صفحة جزء
[ ص: 333 ] قوله عز وجل:

ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور

تقدم إعراب نظير هذه الآية وقراءتها في قوله تعالى آنفا: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم والضمير في: "تحبونهم" لمنافقي اليهود الذين تقدم ذكرهم في قوله: بطانة من دونكم ، والضمير في هذه الآية اسم للجنس، أي: تؤمنون بجميع الكتب وهم لا يؤمنون بقراءتكم. وإنما وقف الله تعالى المؤمنين بهذه الآية على هذه الأحوال الموجبة لبغض المؤمنين لمنافقي اليهود واطراحهم إياهم، فمن تلك الأحوال أنهم لا يحبون المؤمنين، وأنهم يكفرون بكتابهم، وأنهم ينافقون عليهم ويستخفون بهم ويغتاظون ويتربصون الدوائر عليهم.

وقوله تعالى: عضوا عليكم الأنامل عبارة عن شدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذه ومنه قول أبي طالب:


. . . . . .. .. . . . . . . . . . . . . . ... . .. .. يعضون غيظا خلفنا بالأنامل



ومنه قول الآخر :


وقد شهدت قيس فما كان نصرها     قتيبة إلا عضها بالأباهم



وهذا العض هو بالأسنان، وهي هيئة في بدن الإنسان تتبع هيئة النفس الغائظة، كما أن عض اليد على اليد يتبع هيئة النفس النادمة المتلهفة على فائت قريب الفوت، وكما أن قرع السن هيئة النفس النادمة فقط، إلى غير ذلك من عد الحصى والخط في [ ص: 334 ] الأرض للمهموم ونحوه، ويكتب هذا العض بالضاد، ويكتب عظ الزمان بالظاء المشالة، وواحد الأنامل أنملة بضم الميم، ويقال بفتحها، والضم أشهر، ولا نظير لهذا الاسم في بنائه إلا أشد، وله نظائر في الجموع.

وقوله: وتؤمنون بالكتاب كله يقتضي أن الآية في منافقي اليهود لا في منافقي العرب، ويعترضها أن منافقي اليهود لم يحفظ عنهم أنهم كانوا يؤمنون في الظاهر إيمانا مطلقا ويكفرون في الباطن كما كان المنافقون من العرب يفعلون، إلا ما روي من أمر زيد بن الصيت القينقاعي، فلم يبق إلا أن قولهم: "آمنا" معناه: صدقنا أنه نبي مبعوث إليكم، أي: فكونوا على دينكم ونحن أولياؤكم وإخوانكم ولا نضمر لكم إلا المودة، ولهذا كان بعض المؤمنين يتخذهم بطانة، وهذا منزع قد حفظ أن كثيرا من اليهود كان يذهب إليه، ويدل على هذا التأويل أن المعادل لقولهم: "آمنا" عض الأنامل من الغيظ ، وليس هو ما يقتضي الارتداد كما هو في قوله تعالى: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ، بل هو ما يقتضي البغض وعدم المودة. وكان أبو الجوزاء إذا تلا هذه الآية قال: هم الإباضية.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذه الصفة قد تترتب في أهل البدع من الناس إلى يوم القيامة. وقوله تعالى: قل موتوا بغيظكم ، قال فيه الطبري وكثير من المفسرين: هو دعاء عليهم.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

فعلى هذا يتجه أن يدعى عليهم بهذا مواجهة وغير مواجهة وقال قوم: بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأمته أن يواجهوهم بهذا. فعلى هذا زال معنى الدعاء وبقي معنى التقريع والإغاظة، ويجري المعنى مع قول مسافر بن أبي عمرو:

[ ص: 335 ]


وننمي في أرومتنا     ونفقأ عين من حسدا



وينظر إلى هذا المعنى في قوله: "موتوا بغيظكم" قوله تعالى: فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع .

وقوله: إن الله عليم بذات الصدور وعيد يواجهون به على هذا التأويل الأخير في: "موتوا بغيظكم" ، وهو إخبار مجرد لمحمد صلى الله عليه وسلم في تأويل الدعاء في: موتوا بغيظكم و "ذات الصدور" : ما تنطوي عليه، والإشارة هنا إلى المعتقدات، ومن هذا قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "إنما هو ذو بطن بنت خارجة"، ومنه قولهم: "الذيب مغبوط بذي بطنه"، والذات لفظ مشترك في معان لا يدخل منها في هذه الآية إلا ما ذكرناه.

التالي السابق


الخدمات العلمية