قوله عز وجل:
ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك
اللام في قوله تعالى: "ولئن قتلتم" هي المؤذنة بمجيء القسم، واللام في قوله: "لمغفرة" هي المتلقية للقسم، والتقدير: والله لمغفرة.
وترتب الموت قبل القتل في قوله:
ما ماتوا وما قتلوا مراعاة لرتبة الضرب في
[ ص: 402 ] الأرض والغزو، فقدم الموت الذي هو بإزاء المتقدم الذكر، وهو الضرب، وقدم القتل في قوله تعالى: "ولئن قتلتم" لأنه ابتداء إخبار، فقدم الأشرف الأهم، والمعنى: أو متم في سبيل الله، فوقع أجركم على الله، ثم قدم الموت في قوله تعالى:
ولئن متم أو قتلتم لأنها آية وعظ بالآخرة والحشر، وآية تزهيد في الدنيا والحياة. والموت المذكور فيها هو موت على الإطلاق في السبيل وفي المنزل وكيف كان، فقدم لعمومه وأنه الأغلب في الناس من القتل.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي: "متم" بكسر الميم و "متنا" و "مت" بالكسر في جميع القرآن، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر: بضم الميم في جميع القرآن، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ضم الميم في جميع القرآن، وروى عنه
حفص ضم الميم في هذين الموضعين: "أو متم" "ولئن متم" " فقط، وكسر الميم حيث ما وقعت في جميع القرآن، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي: ضم الميم هو الأشهر والأقيس، مت تموت مثل: قلت تقول وطفت تطوف، والكسر شاذ في القياس وإن كان قد استعمل كثيرا، وليس كما شذ قياسا واستعمالا كشذوذ اليجدع ونحوه، ونظير مت تموت بكسر الميم: فضل بكسر الضاد يفضل في الصحيح وأنشدوا:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر وما مر من عمري ذكرت وما فضل
وقوله تعالى: "لمغفرة" رفع بالابتداء "ورحمة" عطف على المغفرة و"خير" خبر الابتداء، والمعنى: المغفرة والرحمة اللاحقة عن القتل أو الموت في سبيل الله خير، فجاء لفظ المغفرة غير معرف إشارة بليغة إلى أن أيسر جزء منها خير من الدنيا، وأنه كاف في فوز العبد المؤمن، وتحتمل الآية أن يكون قوله "لمغفرة" إشارة إلى القتل أو الموت في سبيل الله، سمى ذلك مغفرة ورحمة إذ هما مقترنان به، ويجيء التقدير: لذلك مغفرة ورحمة، وترتفع المغفرة على خبر الابتداء المقدر، وقوله: "خير" صفة لخبر الابتداء.
[ ص: 403 ] وقرأ جمهور الناس "تجمعون" بالتاء على المخاطبة وهي أشكل بالكلام، وقرأ قوم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم فيما روي عن
حفص: "يجمعون" بالياء، والمعنى: مما يجمعه المنافقون وغيرهم.
ثم ذكر تعالى الحشر إليه، وأنه غاية لكل أحد قتل أو مات. وفي الآية تحقير لأمر الدنيا وحض على طلب الشهادة، أي: إذا كان الحشر في كلا الأمرين فالمضي إليه في حال الشهادة أولى.
وقوله تعالى:
فبما رحمة من الله معناه: فبرحمة من الله و"ما" قد جرد عنها معنى النفي، ودخلت للتأكيد، وليست بزائدة على الإطلاق لا معنى لها، وأطلق عليها
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه اسم الزيادة من حيث زال عملها، وهذه بمنزلة قوله تعالى:
فبما نقضهم ميثاقهم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: الباء بإجماع من النحويين صلة وفيها معنى التأكيد. ومعنى الآية: التقريع لجميع من أخل يوم
أحد بمركزه، أي كانوا يستحقون الملام منك، وأن لا تلين لهم، ولكن رحم الله جميعكم، أنت يا
محمد بأن جعلك الله على خلق عظيم، وبعثك لتتمم محاسن الأخلاق، وهم بأن لينك لهم. وجعلت بهذه الصفات لما علم تعالى في ذلك من صلاحهم، وأنك لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، وتفرقوا عنك.
والفظ: الجافي في منطقه ومقاطعه، وفي صفة النبي عليه السلام في الكتب المنزلة: ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، وقال
الجواري nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب: أنت أفظ وأغلظ من رسول الله .... الحديث، وفظاظة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب [ ص: 404 ] رضي الله عنه إنما كانت مستعملة منه آلة لعضد الحق والشدة في الدين، والفظاظة الجفوة في المعاشرة قولا وفعلا ومنه قول الشاعر:
أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ وكنت أخشى عليها من أذى الكلم
وغلظ القلب: عبارة عن تجهم الوجه وقلة الانفعال في الرغائب وقلة الإشفاق والرحمة، ومن ذلك قول الشاعر:
يبكى علينا ولا نبكي على أحد لنحن أغلظ أكبادا من الإبل
والانفضاض: افتراق الجموع، ومنه فض الخاتم.