قوله عز وجل:
ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم .
"يستبشرون" معناه: يسرون ويفرحون، وليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة، بل هي بمعنى: استغنى الله، واستمجد المرخ والعفار، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14355والربيع nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج وغيرهم إلى أن هذا الاستبشار إنما هو بأنهم يقولون: إخواننا الذين تركناهم خلفنا في الدنيا يقاتلون في سبيل الله مع نبيهم فيستشهدون فينالون من الكرامة مثل ما نحن فيه فيسرون لهم بذلك، إذ يحصلون لا خوف عليهم ولا هم
[ ص: 421 ] يحزنون، وذهب فريق من العلماء -وأشار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وابن فورك- إلى أن الإشارة في قوله:
بالذين لم يلحقوا إلى جميع المؤمنين، أي: لم يلحقوا بهم في فضل الشهادة، لكن الشهداء لما عاينوا ثواب الله وقع اليقين بأن دين الإسلام هو الحق الذي يثيب الله عليه، فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون للمؤمنين بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، و"ألا" مفعول من أجله، التقدير: بأن لا خوف، ويجوز أن يكون في موضع خفض بدل اشتمال.
ثم أكد تعالى استبشارهم بقوله: "يستبشرون بنعمة" ثم بين تعالى بقوله: "وفضل" فوقع إدخاله إياهم الجنة الذي هو فضل منه لا بعمل أحد، وأما النعمة في الجنة والدرجات فقد أخبر أنها على قدر الأعمال.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وجماعة من أهل العلم: "وإن الله" بكسر الألف من "أن" ، وقرأ باقي السبعة وجمهور العلماء: "وأن الله" بفتح الألف، فمن قرأ بالفتح فذلك داخل فيما يستبشر به، المعنى: بنعمة وبأن الله، ومن قرأ بالكسر فهو إخبار مستأنف. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله "وفضل والله لا يضيع".
وقوله تعالى: "الذين استجابوا" يحتمل أن تكون "الذين" صفة للمؤمنين على قراءة من كسر الألف من "أن" ، والأظهر أن "الذين" ابتداء وخبره في قوله تعالى: "للذين أحسنوا"... الآية. فهذه الجملة هي خبر الابتداء الأول.
والمستجيبون لله والرسول هم الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى
حمراء الأسد في طلب
قريش والتظاهر لهم; وذلك أنه لما كان في يوم الأحد وهو الثاني من يوم
أحد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس باتباع المشركين، وقال: " لا يخرجن معنا إلا من شاهدنا بالأمس" وكانت بالناس جراحة وقرح عظيم، ولكن تجلدوا ونهض معه مائتا رجل من المؤمنين حتى بلغ
حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من
المدينة، وأقام بها
[ ص: 422 ] ثلاثة أيام، وجرت قصة
معبد بن أبي معبد التي ذكرناها، ومرت
قريش، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة، فأنزل الله تعالى في شأن أولئك المستجيبين هذه الآية، ومدحهم لصبرهم.
وروي أنه خرج في الناس أخوان وبهما جراحة شديدة وكان أحدهما قد ضعف، فكان أخوه يحمله عقبة ويمشي هو عقبة. ورغب
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج معه فأذن له، وأخبرهم تعالى أن الأجر العظيم قد تحصل لهم بهذه الفعلة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنها غزوة".