قوله عز وجل:
ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء
القراءات في قوله تعالى:
ولا يحسبن الذين يبخلون كالتي تقدمت آنفا في قوله:
ولا يحسبن الذين كفروا سواء.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وجماعة من المتأولين: الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله وأداء الزكاة المفروضة ونحو ذلك. قالوا: ومعنى:
سيطوقون ما بخلوا هو الذي ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=2001943 "ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله عن [ ص: 431 ] فضل ما عنده فيبخل به عليه إلا خرج له يوم القيامة شجاع أقرع من الناس يتلمظ حتى يطوقه". والأحاديث في مثل هذا من منع الزكاة واكتناز المال كثيرة صحيحة. قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: الآية إنما نزلت في أهل الكتاب وبخلهم ببيان ما علمهم الله من أمر
محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وجماعة من أهل التفسير.
وقوله تعالى "سيطوقون" على هذا التأويل معناه: سيحملون عقاب ما بخلوا به فهو من الطاقة كما قال تعالى:
وعلى الذين يطيقونه وليس من التطويق. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي: "سيطوقون" سيجعل لهم يوم القيامة طوق من نار.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يجري مع التأويل الأول الذي ذكرته
للسدي وغيره.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: معنى
"سيطوقون": سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به يوم القيامة.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يضطرب مع قوله: إن البخل هو بالعلم الذي تفضل الله عليهم بأن علمهم إياه. وإعراب قوله تعالى: "الذين يبخلون" رفع في قراءة من قرأ "يحسبن" بالياء من أسفل، والمفعول الأول مقدر بالصلة تقديره: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم من فضله بخلهم هو "خيرا"، و"هو" فاصلة العماد عند الكوفيين، ودل قوله: "يبخلون" على هذا البخل المقدر كما دل السفيه على السفه في قول الشاعر:
إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف
[ ص: 432 ] فالمعنى جرى إلى السفه وأما من قرأ "تحسبن" بالتاء من فوق ففي الكلام حذف مضاف هو المفعول الأول، تقديره: ولا تحسبن يا
محمد بخل الذين يبخلون خيرا لهم. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: وهي مثل
"واسأل القرية".
وقوله تعالى:
ولله ميراث السماوات خطاب على ما يفعله البشر دال على فناء الجميع، وأنه لا يبقى مالك إلا الله تعالى، وإن كان ملكه تعالى على كل شيء لم يزل.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو "والله بما يعملون" بالياء من أسفل على ذكر الذين يبخلون ويطوقون، وقرأ الباقون بالتاء من فوق، وذلك على الرجوع من الغيبة إلى المخاطبة لأنه قد تقدم: "وإن تؤمنوا وتتقوا" .
وقوله تعالى:
لقد سمع الله ... الآية، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: نزلت بسبب
فنحاص اليهودي وذلك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق رضي الله عنه إلى بيت المدراس ليدعوهم فوجد فيه جماعة من اليهود قد اجتمعوا على فنحاص -وهو حبرهم- فقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر له: يا فنحاص، اتق الله وأسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة، فقال فنحاص: والله يا nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة، وإنه إلينا لفقير، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان غنيا لما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم، في كلام طويل غضب nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر منه، فرفع يده فلطم وجه فنحاص وسبه وهم بقتله، ثم منعه من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تحدث شيئا حتى تنصرف إلي، ثم ذهب فنحاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا فعل [ ص: 433 ] nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر ما حملك على ما صنعت؟ فنزلت الآية في ذلك. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: نزلت الآية في
حيي بن أخطب، وذلك أنه لما نزلت:
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال: يستقرضنا ربنا؟ إنما يستقرض الفقير الغني. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة أيضا وغيرهم: لما نزلت:
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ...الآية، قالت اليهود: إنما يستقرض الفقير من الغني.
ولا محالة أن هذا قول صدر أولا عن
فنحاص وحيي وأشباههما من الأحبار ثم تقاولها اليهود، وهو قول يغلط به الأتباع ومن لا علم عنده بمقاصد الكلام، وهذا تحريف اليهود التأويل على نحو ما صنعوا في توراتهم.
وقوله تعالى:
قول الذين كفروا دال على أنهم جماعة.