[ ص: 468 ] قوله عز وجل:
ذلك أدنى ألا تعولوا وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا .
"أدنى" أقرب، وهو من الدنو، وموضع أن من الإعراب نصب بإسقاط الخافض، والناصب أريحية الفعل الذي في "أدنى"، التقدير: ذلك أدنى إلى ألا تعولوا. و"تعولوا" معناه: تميلوا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس وأبو مالك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وغيرهم، يقال: عال الرجل يعول: إذا مال وجار، ومنه قول
أبي طالب في شعره في النبي صلى الله عليه وسلم:
بميزان قسط لا يخس شعيرة ووزان صدق وزنه غير عائل
يريد غير مائل. ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان لأهل
الكوفة حين كتب إليهم: إني لست بميزان لا أعول. ويروى بيت
أبي طالب: "له شاهد من نفسه غير عائل"، وعال يعيل، معناه: افتقر فصار عالة. وقالت فرقة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي: معناه: ذلك أدنى ألا يكثر عيالكم. وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي أن
العرب تقول: عال الرجل يعول إذا كثر عياله، وقدح في هذا
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره، بأن الله قد أباح كثرة السراري، وفي ذلك تكثير العيال، فكيف يكون أقرب إلى ألا يكثر؟!.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا القدح غير صحيح، لأن السراري إنما هن مال يتصرف فيه بالبيع، وإنما العيال الفادح الحرائر ذوات الحقوق الواجبة .
وقوله:
وآتوا النساء صدقاتهن نحلة قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج: إن الخطاب في هذه الآية للأزواج، أمرهم الله أن يتبرعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم. وقال
أبو صالح: الخطاب لأولياء النساء، لأن عادة بعض
العرب كانت أن يأكل ولي المرأة مهرها، فرفع الله ذلك بالإسلام وأمر بأن يدفع ذلك إليهن. وقال
[ ص: 469 ] المعتمر بن سليمان عن أبيه: زعم
حضرمي أن المراد بالآية المتشاغرون الذين كانوا يتزوجون امرأة بأخرى، فأمروا أن يضربوا المهور. .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
والآية تتناول هذه الفرق الثلاث.
وقرأ جمهور الناس والسبعة: "صدقاتهن" بفتح الصاد وضم الدال، وقرأ
موسى بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة وفياض بن غزوان وغيرهم: "صدقاتهن" بضم الصاد والدال، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وغيره: "صدقاتهن" بضم الصاد وسكون الدال، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي "صدقتهن" بالإفراد وضم الصاد وضم الدال. والإفراد من هذا كله: صدقة، وصدقة. و"نحلة": معناه: نحلة منكم لهن، أي: عطية، وقيل: التقدير: من الله عز وجل لهن، وذلك لأن
الله جعل الصداق على الرجال ولم يجعل على النساء شيئا، وقيل: نحلة معناه: شرعة، مأخوذ من النحل تقول: فلان ينتحل دين كذا، وهذا يحسن مع كون الخطاب للأولياء، ويتجه مع سواه، ونصبها على أنها من الأزواج بإضمار فعل من لفظها، تقديره: انحلوهن نحلة، ويجوز أن يعمل الفعل الظاهر وإن كان من غير اللفظ لأنه مناسب للنحلة في المعنى، ونصبها على أنها من الله عز وجل بإضمار فعل مقدر من اللفظ، لا يصح غير ذلك، وعلى أنها شريعة هي أيضا من الله.
وقوله:
فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا الخطاب حسبما تقدم من الاختلاف في الأزواج والأولياء، والمعنى: إن وهبن غير مكرهات طيبة نفوسهن. والضمير في: "منه" راجع على الصداق، وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة وغيره، أو على الإيتاء. وقال
حضرمي: سبب الآية أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوا إلى الزوجات. "نفسا" نصب على التمييز، ولا يجوز تقدمه على العامل عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه إلا في ضرورة شعر مع تصرف العامل، وإجازة غيره في الكلام. ومنه قول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وما كان نفسا بالفراق تطيب
[ ص: 470 ] و "من": تتضمن الجنس هاهنا، ولذلك يجوز أن تهب المهر كله، ولو وقفت "من" على التبعيض لما جاز ذلك. وقرئ "هنيا مريا" دون همز، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري. قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: ومن هناء البعير أن يعطي الشفاء.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف; وإنما قال اللغويون: الطعام الهنيء هو السائغ المستحسن الحميد المغبة، وكذلك المريء، قال اللغويون: يقولون هنأني الطعام ومرأني على الإتباع، فإذا أفردوا قالوا: أمرأني على وزن أفعل. قال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي: وهذا كما جاء في الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=678080 "ارجعن مأزورات غير مأجورات"، فإنما اعتلت الواو من موزورات إتباعا للفظ مأجورات، فكذلك مرأني إتباعا لهنأني. ودخل رجل على
nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة وهو يأكل شيئا مما وهبته امرأته من مهرها، فقال له: كل من الهنيء المريء، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه: هنيئا مريئا صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره، المختزل للدلالة التي في الكلام عليه، كأنهم قالوا: ثبت ذلك هنيئا مريئا.
وقوله:
ولا تؤتوا السفهاء ... الآية، اختلف المتأولون في المراد بـ "السفهاء"; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن وغيرهم: نزلت في ولد الرجل الصغار وامرأته، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير: نزلت في المحجورين السفهاء، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: نزلت في النساء خاصة، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أنه مرت به امرأة لها شارة فقال لها:
ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ... الآية. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري وغيرهما: نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط الله من السفه كان من كان، وقول من خصها بالنساء يضعف من جهة الجمع، فإن
العرب إنما تجمع فعيلة على فعائل أو فعيلات.
وقوله: "أموالكم" يريد أموال المخاطبين، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير: يريد أموال السفهاء ، وأضافها إلى المخاطبين تغبيطا بالأموال، أي: هي لهم إذا احتاجوا، كأموالكم لكم التي تقي أعراضكم، وتصونكم وتعظم أقداركم، ومن مثل هذا:
ولا تقتلوا أنفسكم وما جرى مجراه.
[ ص: 471 ] وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي: "اللاتي"، والأموال: جمع لما لا يعقل، فالأصوب فيه قراءة الجماعة.
و"قياما" جمع قيمة كديمة وديم، ولكن شذت في الرد إلى الياء كما شذ قولهم: جياد في جمع جواد، وكما قالت بنوضبة: طويل وطيال، ونحو هذا، وقوما وقواما وقياما معناه: ثباتا في صلاح الحال ودواما في ذلك، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر: "قيما" بغير ألف، وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبا عمرو فتح القاف من قوله: "قواما، وقياما" كان أصله قواما، فردت كسرة القاف الواو ياء للتناسب. ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=13492ابن مجاهد ولم ينسبها، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، وقرأ الباقون: "قياما" وقرأت طائفة: "قواما".
وقوله:
وارزقوهم فيها واكسوهم قيل: معناه: فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجه وبنيه الأصاغر، وقيل: في المحجورين من أموالهم، و: "معروفا" قيل: معناه: ادعوا لهم: بارك الله فيكم وحاطكم وصنع لكم، وقيل: معناه: عدوهم وعدا حسنا، أي: إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم، ومعنى اللفظ: كل كلام تعرفه النفوس وتأنس إليه ويقتضيه الشرع.