قوله عز وجل:
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا
سمى الله عز وجل الأب والدا لأن الولد منه ومن الوالدة، كما قال الشاعر:
بحيث يعتش الغراب البائض
لأن البيض من الأنثى والذكر. قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد: وسبب هذه الآية أن
العرب كان منها من لا يورث النساء ويقول: لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف، فنزلت هذه الآية.
[ ص: 475 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة: سببها خبر
أم كحلة، مات زوجها وهو
أوس بن سويد وترك لها بنتا فذهب عم بنيها إلى ألا ترث، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العم: هي يا رسول الله لا تقاتل، ولا تحمل كلا ويكسب عليها، ولا تكسب، واسم العم
ثعلبة فيما ذكره.
و"نصيبا مفروضا" نصب على الحال، كذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي، وإنما هو اسم نصب كما ينصب المصدر في موضع الحال، تقديره: فرضا، ولذلك جاز نصبه، كما تقول: لك علي كذا وكذا حقا واجبا، ولولا معنى المصدر الذي فيه ما جاز في الاسم الذي ليس بمصدر هذا النصب، ولكان حقه الرفع.
وقوله:
وإذا حضر القسمة ... الآية، اختلف المتأولون فيمن خوطب بهذه الآية على قولين: أحدهما أنها مخاطبة للوارثين، والمعنى: إذا حضر قسمتكم لمال موروثكم هذه الأصناف الثلاثة، فارزقوهم منه، ثم اختلف قائلو هذا القول، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وأبو مالك nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس فيما حكى عنه
المهدوي: نسخ ذلك بآية المواريث. وكانت هذه قسمة قبل المواريث، فأعطى الله بعد ذلك كل ذي حق حقه، وجعلت الوصية للذين يحزنون ولا يرثون. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير: ذلك محكم لم ينسخ،.وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير: وقد ضيع الناس هذه الآية، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: ولكن الناس شحوا، وامتثل ذلك جماعة من التابعين:
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير وغيره، وأمر به
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري.
واختلف القائلون بإحكامها، فقالت فرقة: ذلك على جهة الفرض والوجوب أن يعطي الورثة لهذه الأصناف ما تفه وطابت به نفوسهم; كالماعون والثوب الخلق، وما خف كالتابوت، وما تعذر قسمه. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن: ذلك على جهة الندب، فمن تركه فلا حرج عليه. واختلف في هذا القول إذا كان الوارث صغيرا لا يتصرف في ماله، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير وغيره: هذا على وجه المعروف فقط، يقوله ولي الوارث دون عطاء ينفذ، وقالت فرقة: بل يعطي ولي الوارث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى.
[ ص: 476 ] والقول الثاني -فيمن خوطب بها- أن الخطاب للمحتضرين الذين يقسمون أموالهم بالوصية، فالمعنى: إذا حضركم الموت أيها المؤمنون، وقسمتم أموالكم بالوصية، وحضركم من لا يرث من ذي القرابة واليتامى فارزقوهم منه، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد: كانوا يقولون للوصي: فلان يقسم ماله، ومعنى "حضر": شهد، إلا أن الصفة بالضعف واليتم والمسكنة تقضي أن ذلك هو علة الرزق، فحيث وجدت رزقوا وإن لم يحضروا القسمة، و"أولو": اسم جمع لا واحد له من لفظه، ولا يكون إلا مضافا للإبهام الذي فيه، وربما كان واحده من غير لفظة "ذو".
واليتم: الانفراد، واليتيم: الفرد، وكذلك سمي من فقد أباه يتيما لانفراده، ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=16536عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه الآية أن يصنع لهم طعام يأكلونه، وفعلا ذلك: ذبحا شاة من التركة.
والضمير في قوله: "فارزقوهم" وفي قوله: "لهم" عائد على الأصناف الثلاثة، وغير ذلك من تفريق عود الضميرين -كما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري- تحكم; والقول المعروف: كل ما يؤنس به من دعاء أو عدة أو غير ذلك.
وقوله "وليخش" جزم بلام الأمر، ولا يجوز إضمار هذه اللام عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه قياسا على حروف الجر إلا في ضرورة شعر، ومنه قول الشاعر:
محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا
وقرأ
أبو حيوة nindex.php?page=showalam&ids=16748وعيسى بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري: بكسر لامات الأمر في هذه الآية.
وقد تقدم الكلام على لفظ "ذرية" في [سورة آل عمران]. ومفعول "يخشى" محذوف لدلالة الكلام عليه، وحسن حذفه من حيث يتقدر فيه التخويف بالله تعالى، والتخويف بالعاقبة في الدنيا، فينظر كل متأول بحسب الأهم في نفسه.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبو عبد الرحمن وأبو حيوة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وابن محيصن nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة: "ضعفاء" بالمد
[ ص: 477 ] وضم الضاد، وروي عن
ابن محيصن: "ضعفا" بضم الضاد والعين وتنوين الفاء، وأمال
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة "ضعافا"، وأمال "خافوا"، والداعي إلى إمالة "خافوا" الكسرة التي في الماضي في قولك: خفت، ليدل عليها. و"خافوا" جواب "لو" تقديره: لو تركوا لخافوا، ويجوز حذف اللام في جواب "لو"، تقول: لو قام زيد لقام عمرو، ولو قام زيد قام عمرو.
واختلف; من المراد بهذه الآية؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد: المراد من حضر ميتا حين يوصي فيقول له: قدم لنفسك وأعط فلانا وفلانة، ويؤذي الورثة بذلك، فكأن الآية تقول لهم: كما كنتم تخشون على ورثتكم وذريتكم بعدكم، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم وذريته، ولا تحملوه على تبذير ماله وتركهم عالة. وقال
مقسم وحضرمي: نزلت في عكس ذلك، وهو أن يقول للمحتضر: أمسك على ورثتك، وأبق لولدك، وينهاه عن
الوصية فيضر بذلك ذوي القربى وكل من يستحق أن يوصي له، فقيل لهم: كما كنتم تخشون على ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم، فكذلك فسددوا القول في جهة المساكين واليتامى، واتقوا الله في ضرهم.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذان القولان لا يطرد واحد منهما في كل الناس، بل الناس صنفان: يصلح لأحدهما القول الواحد، وللآخر القول الثاني، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثة مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدم لنفسه، وإذا ترك ورثة ضعفاء مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين، فالمراعى إنما هو الضعف، فيجب أن يمال معه.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا: المراد بالآية ولاة الأيتام، فالمعنى: أحسنوا إليهم، وسددوا القول لهم، واتقوا الله في أكل أموالهم، كما تخافون على ذريتكم أن يفعل بهم خلاف ذلك.
وقالت فرقة: بل المراد جميع الناس، فالمعنى: أمرهم باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم، وأن يسددوا لهم القول كما يريد كل أحد أن يفعل بولده بعده.
[ ص: 478 ] ومن هذا ما حكاه
الشيباني قال: كنا على قسطنطينية في عسكر
مسلمة بن عبد الملك، فجلسنا يوما في جماعة من أهل العلم فيهم
الديلمي، فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان، فقلت له: يا
أبا بسر، ودي أن لا يكون لي ولد، فقال لي: ما عليك، ما من نسمة قضى الله بخروجها من رجل إلا خرجت أحب أو كره، ولكن إن أردت أن تأمن عليهم فاتق الله في غيرهم، ثم تلا هذه الآية. والسديد: معناه: المصيب للحق، ومنه قول الشاعر:
أعلمه الرماية كل يوم فلما استد ساعده رماني
معناه، لما وافق الأغراض التي يرمي إليها.