قوله - عز وجل -:
ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين
قرئ: "ولقد"؛ بضم الدال؛ للضمة بعد الساكن الذي بعد الدال؛ وقرئ بكسر الدال؛
[ ص: 319 ] على عرف الالتقاء؛ وهذه تسلية للنبي - صلى اللـه عليه وسلم - بالأسوة في الرسل؛ وتقوية لنفسه على محاجة المشركين؛ وإخبار يتضمن وعيد مكذبيه؛ والمستهزئين.
و"فحاق"؛ معناه: نزل؛ وأحاط؛ وهي مخصوصة في الشر؛ يقال: "حاق؛ يحيق؛ حيقا"؛ ومنه قول الشاعر:
فأوطأ جرد الخيل عقر ديارهم ... وحاق بهم من بأس ضبة حائق
وقال قوم: أصل "حاق": "حق"؛ فبدلت القاف الواحدة؛ كما بدلت النون في: "تظننت".
قال
القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذا ضعيف.
و"ما" في قوله:
ما كانوا ؛ يصح أن تكون بمعنى "الذي"؛ ويصح أن تكون مع الفعل بتأويل المصدر؛ كأنه قال: "استهزاؤهم"؛ وهذه كناية عن العقوبة؛ كما تهدد إنسانا؛ فتقول: "سيلحقك عملك"؛ والمعنى: عاقبته؛ و"سخروا"؛ معناه: استهزؤوا.
وقوله تعالى
قل سيروا ؛ الآية؛ حض على الاعتبار بآثار من مضى؛ ممن فعل فعلهم؛ وقال: "كان"؛ ولم يقل: "كانت"؛ لأن تأنيث العاقبة ليس بحقيقي؛ وهي بمعنى: "الآخر"؛ و"المآل".
ومعنى الآية: "سيروا وتلقوا ممن سار"؛ لأن تحصيل العبرة بآثار من مضى إنما يستند إلى حس العين.