[ ص: 379 ] قوله - عز وجل -:
وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين
"القاهر": إن أخذ صفة فعل - أي مظهر القهر بالصواعق؛ والرياح؛ والعذاب - فيصح أن يجعل "فوق"؛ ظرفية للجهة؛ لأن هذه الأشياء إنما تعاهدها العباد من فوقهم؛ وإن أخذ "القاهر"؛ صفة ذات - بمعنى القدرة؛ والاستيلاء - فـ "فوق"؛ لا يجوز أن تكون للجهة؛ وإنما هي لعلو القدر؛ والشأن؛ على حد ما تقول: "الياقوت فوق الحديد".
ويرسل عليكم ؛ معناه: "يبثهم فيكم"؛ و"حفظة"؛ جمع "حافظ"؛ مثل "كاتب"؛ و"كتبة"؛ والمراد بذلك الملائكة الموكلون بكتب الأعمال؛ وروي أنهم الملائكة الذين قال فيهم النبي - صلى اللـه عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650522 "تتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار"؛ وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ؛ وقال بعض المفسرين: "حفظة يحفظون الإنسان من كل شيء؛ حتى يأتي أجله"؛ والأول أظهر؛ وكلهم - غير
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة - قرأ: "توفته رسلنا"؛ على تأنيث لفظ الجمع؛ كقوله - عز وجل -:
ولقد كذبت رسل من قبلك ؛ وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة : "توفاه رسلنا"؛ وحجته أن التأنيث غير حقيقي؛ وظاهر الفعل أنه ماض؛ كقوله تعالى "وقال نسوة"؛ ويحتمل أن يكون بمعنى: "تتوفاه"؛ فتكون العلامة مؤنثة؛ وأمال
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة من حيث خط المصحف بغير ألف؛ فكأنها إنما كتبت على الإمالة؛ وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : "يتوفاه رسلنا"؛ بزيادة ياء في أوله؛ والتذكير.
وقوله تعالى "رسلنا" يريد به - على ما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - وجميع أهل التأويل - ملائكة مقترنين بملك الموت؛ يعاونونه؛ ويأتمرون له.
وقرأ جمهور الناس: "لا يفرطون"؛ بالتشديد؛ وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج : "يفرطون"؛ بالتخفيف؛
[ ص: 380 ] ومعناه: "يجاوزون الحد مما أمروا به"؛ قال
أبو الفتح: فكما أن المعنى في قراءة العامة: "لا يقصرون"؛ فكذلك هو في هذه: "لا يزيدون على ما أمروا به".
ورجع اللفظ في قوله: "ردوا"؛ من الخطاب إلى الغيبة؛ والضمير في "ردوا"؛ عائد على المتقدم ذكرهم؛ ويظهر أن يعود على العباد؛ فهو إعلام برد الكل؛ وجاءت المخاطبة بالكاف في قوله: "عليكم"؛ تقريبا للموعظة من نفوس السامعين؛ و"مولاهم"؛ لفظ عام لأنواع الولاية؛ التي تكون بين الله تعالى ؛ وبين عبيده؛ من الرزق؛ والنصرة؛ والمحاسبة؛ والملك؛ وغير ذلك؛ وقوله: "الحق"؛ نعت لـ "مولاهم"؛ ومعناه: الذي ليس بباطل؛ ولا مجازي؛ وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن؛ nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : "الحق"؛ بالنصب؛ وهو على المدح؛ ويصح على المصدر.
ألا له الحكم ؛ ابتداء كلام مضمنه التنبيه؛ وهز نفس السامع؛ و"الحكم"؛ تعريفه للجنس؛ أي: "جميع أنواع التصرفات في العباد"؛ و
أسرع الحاسبين ؛ متوجه على أن الله - عز وجل - حسابه لعبيده صادر عن علمه بهم؛ فلا يحتاج في ذلك إلى إعداد؛ ولا تكلف؛ سبحانه؛ لا رب غيره؛ وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: كيف يحاسب الله تعالى العباد في حال واحدة؟ قال: "كما يرزقهم في حال واحدة في الدنيا".