قوله عز وجل:
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما [ ص: 66 ] هذا أمر من الله عز وجل لنبيه بإشهار الدعوة والحض على الدخول في الشرع، وذلك أنه لما رجى الأمة المتبعة للنبي الأمي التي كتب لهم رحمته عقب ذلك بدعاء الناس إلى الاتباع الذي تحصل معه تلك المنازل. وهذه الآية خاصة
بمحمد صلى الله عليه وسلم بين الرسل، فإن
محمدا صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة وإلى الجن، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، وتقتضيه الأحاديث، وكل نبي إنما بعث إلى فرقة دون العموم، ثم إنه لما أعلن بالرسالة من عند الله تبارك وتعالى أردف بصفة الله التي تقتضي الإذعان له وهي أنه مالك السموات والأرض بالخلق والإبداع والإحياء والإماتة، لا إله إلا هو ولا معبود سواه.
وقوله تعالى:
فآمنوا بالله ورسوله الآية، هو الحض على اتباع
محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله:
الذي يؤمن يريد: الذي يصدق
بالله وكلماته ، والكلمات هنا الآيات المنزلة من عنده كالتوراة والإنجيل.
وقرأ جمهور الناس: "كلماته" بالجمع، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عيسى بن عمر : "كلمته" بالإفراد الذي يراد به الجمع، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : "الذي يؤمن بالله وآياته" بدل "كلماته" ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : المراد بـ "كلماته" أو "كلمته"
عيسى ابن مريم.
وقوله تعالى:
لعلكم تهتدون أي: على طمعكم وبحسب ما ترونه، وقوله: "واتبعوه" لفظ عام يدخل تحته جميع إلزامات الشريعة، جعلنا الله من متبعيه على ما يلزم بمنه ورحمته.
وقوله تعالى:
ومن قوم موسى الآية، "يهدون" معناه: يرشدون أنفسهم، وهذا الكلام يحتمل أن يريد به وصف المؤمنين المتقين من بني إسرائيل على عهد
موسى وما والاه من الزمن، فأخبر أنه كان في بني إسرائيل على عتوهم وخلافهم من اهتدى واتقى وعدل، ويحتمل أن يريد الجماعة التي آمنت
بمحمد صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل على جهة الاستجلاب لإيمان جميعهم، ويحتمل ما روي من أن بني إسرائيل لما تقطعوا مرت أمة منهم واعتزلت ودخلت تحت الأرض فمشت في سرب تحت الأرض سنة ونصف سنة حتى خرجوا وراء الصين، فهم هنالك خلف واد من شهد يقيمون الشرع ويهدون بالحق، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، وروي بعضه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما.
[ ص: 67 ] قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا حديث بعيد، وقرأ بعض من الناس: "وقطعناهم" بشد الطاء، وقرأ
أبو حيوة، nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة : "وقطعناهم" بتخفيف الطاء، ورواها
nindex.php?page=showalam&ids=11793أبان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ، ومعناه: فرقناهم، من القطع، وقرأ جمهور الناس: "عشرة" بسكون الشين، وهي لغة
الحجاز، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340يحيى بن وثاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
وطلحة بن سليمان بخلاف: "عشرة" بفتح الشين، وقرأت هذه الجماعة أيضا،
nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف ،
وأبو حيوة: "عشرة" بكسر الشين، وهي لغة
تميم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم : والعجب أن تميما يخففون ما كان من هذا الوزن، وأن أهل
الحجاز يشبعون، وتناقضوا في هذا الحرف. وقوله: "أسباطا" بدل من "اثنتي". والتمييز الذي بين العدد محذوف مقدر: اثنتي عشرة فرقة أو قطعة أسباطا، وإما أن يزول عن التمييز ويقدر: وقطعناهم فرقا اثنتي عشرة، ثم أبدل "أسباطا"، والأول أحسن وأبين، ولا يجوز أن يكون "أسباطا" تمييزا لأن التمييز لا يكون إلا مفردا نكرة، وأيضا فالسبط مذكر وهو قد عد مؤنثا، على أن هذه العلة لو انفردت لمنعت إذ السبط بمعنى الأمة، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وقال بعض الكوفيين: لما كان السبط بمعنى الأمة غلب التأنيث، وهو مثل قول الشاعر:
فإن كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأغفل هذا الكوفي جمع الأسباط وأن ما ذهب إليه إنما كان يجوز لو كان الكلام: "اثنتي عشرة سبطا"، والسبط في ولد
إسحاق كالقبيلة في ولد
إسماعيل، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره: إن السبط من السبط وهو شجر.
[ ص: 68 ] قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما الأظهر فيه عبراني عرب.