قوله عز وجل:
قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون
هذا توقيف أيضا على قصور الأصنام وعجزها، وتنبيه على قدرة الله عز وجل، وبدء الخلق يريد به إنشاء الإنسان في أول أمره، وإعادته هي البعث من القبور. و"تؤفكون" معناه: تصرفون وتحرمون، تقول
العرب: "أرض مأفوكة" إذا لم يصبها مطر فهي بمعنى الخيبة والقلب، كما قال:
والمؤتفكة أهوى .
وقوله تعالى:
قل هل من شركائكم من يهدي الآية،
يهدي إلى الحق يريد به: يبين طرق الصواب ويدعو إلى العدل ويفصح بالآيات ونحو هذا. ووصف الأصنام بأنها لا تهدي إلا أن تهدى، ونحن نجدها لا تهتدي وإن هديت، فوجه ذلك أنه عامل -في العبارة عنها- معاملتهم في وصفها بأوصاف من يعقل، وذلك مجاز وموجود في كثير من القرآن، وذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي الفارسي ، والذي أقول: إن قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي تحتمل أن يكون المعنى: "أمن لا يهدي أحدا إلا أن يهدى ذلك الأحد بهداية من عند الله"، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها: "أمن لا يهتدي إلا أن يهدى" فيتجه المعنى على ما تقدم
nindex.php?page=showalam&ids=12095لأبي علي الفارسي ، وفيه تجوز كثير. وقال بعضهم: هي عبارة عن أنها لا تنتقل إلا أن تنقل، ويحتمل أن يكون ما ذكر الله تعالى من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها، ويحتمل أن يكون الاستثناء في اهتدائها إلى مناكرة الكفار يوم القيامة حسبما مضى في هذه السورة.
وقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي هي "يهدي" بفتح الياء وسكون الهاء. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ،
[ ص: 480 ] nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
وشيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج ،
nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبو جعفر : "يهدي" بسكون الهاء وتشديد الدال، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر : "يهدي" بفتح الياء والهاء، وهذه أفصح القراءات، نقلت حركة تاء "يهتدي" إلى الهاء وأدغمت التاء في الدال، وهذه رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم في رواية
حفص : "يهدي" بفتح الياء وكسر الهاء وشد الدال، أتبع الكسرة الكسرة، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر : "يهدي" بكسر الياء والهاء وشد الدال، وهذا أيضا إتباع. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : الله يهدي من الأوثان وغيرها ما شاء.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف.
وقرأ
يحيى بن الحارث الزماري: "إلا أن يهدي" بفتح الهاء وشد الدال، ووقف القراء على: "فما لكم"، ثم يبدأ "كيف تحكمون".
وقوله تعالى:
وما يتبع أكثرهم إخبار عن فساد طرائقهم وضعف نظرهم وأنه ظن، ثم بين منزلة الظن من المعارف وبعده عن الحق. والظن -في هذه الآية- على بابه في أنه معتقد أحد جائزين لكن ثم ميل إلى أحدهما دون حجة تبطل الآخر، وجواز ما اعتقده هؤلاء إنما هو بزعمهم لا في نفسه. بل ظنهم محال في ذاته. والحق أيضا على بابه في أنه معرفة المعلوم على ما هو به. وبهذه الشروط لا يغني الظن من الحق شيئا. وأما في طريق الأحكام التي تعبد الناس بظواهرها فيغني الظن في تلك الحقائق ويصرف من طريق إلى طريق. والشهادة إنما هي مظنونة. وكذلك التهم في الشهادات تغني. وليس المراد في هذه الآية هذا النمط. وقرأ جمهور الناس: "يفعلون" . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود "تفعلون" بالتاء على مخاطبة الحاضر.