قوله عز وجل:
ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين
المعنى: لقد اخترنا لبني إسرائيل أحسن اختيار، وأحللناهم من الأماكن أحسن محل، و
مبوأ صدق أي: يصدق فيه ظن قاصده وساكنه وأهله، ويعني بهذه الآية: إحلالهم بلاد الشام وبيت المقدس. قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد ، وقيل: بلاد
مصر والشام، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ، والأول أصح بحسب ما حفظ من أنهم لن يعودوا إلى
مصر، على أن في القرآن:
كذلك وأورثناها بني إسرائيل ، يعني ما ترك القبط من جنات وعيون وغير ذلك، وقد يحتمل أن يكون ( أورثناها ) معناه: الحالة من النعمة وإن لم يكن في قطر واحد.
وقوله تعالى:
فما اختلفوا حتى جاءهم العلم يحتمل معنيين; أحدهما: فما اختلفوا
[ ص: 526 ] في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حتى جاءهم وبان علمه وأمره فاختلفوا حينئذ.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا التخصيص هو الذي وقع في كتب المتأولين، وهذا التأويل يحتاج إلى سند. والتأويل الآخر الذي يحتمله اللفظ: أن بني إسرائيل لم يكن لهم اختلاف على
موسى عليه السلام في أول حاله، فلما جاءهم العلم والأوامر وغرق
فرعون اختلفوا.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
فمعنى الآية مذمة ذلك الصدر من بني إسرائيل. ثم أوجب الله عز وجل بعد ذلك أنه يقضي بينهم ويفصل بعقاب من يعاقب ورحمة من يرحم.
وقوله تعالى:
فإن كنت في شك الآية، قال بعض المتأولين -وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن-: إن "إن" نافية بمعنى "ما"، والجمهور على أن "إن" شرطية، والصواب في معنى الآية أنها مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بها سواه من كل من يمكن أن يشك أو يعارض، وقال قوم: الكلام بمنزلة قولك: "إن كنت ابني فبرني".
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وليس هذا المثال بجيد، وإنما مثال هذه قوله تعالى لعيسى:
أأنت قلت للناس اتخذوني ، وروي أن رجلا سأل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما عما يحيك في الصدر من الشك فقال له: ما نجا من ذلك أحد ولا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل عليه:
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك. .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14431الزهراوي أن هذه المقالة أنكرت أن يقولها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبذلك أقول، لأن
[ ص: 527 ] الخواطر لا ينجو منها أحد، وهي خلاف الشك الذي يجال فيه على الاستشفاء بالسؤال. و
الذين يقرءون الكتاب من قبلك هم من أسلم من بني إسرائيل
nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام ، وروي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: "أنا لا أشك ولا أسأل" .
وقرأ "فسل" دون همز
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبو جعفر ، وأهل
المدينة، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16748وعيسى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم ، وقرأ جمهور عظيم بالهمز. ثم جزم الله تبارك وتعالى الخبر بقوله:
لقد جاءك الحق من ربك ، واللام في "لقد" لام قسم، و"الممترين": معناه: الشاكين الذين يحتاجون في اعتقادهم إلى المماراة فيها، وقوله:
مما أنزلنا إليك يريد به: من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في أمره إلا من بعد مجيئه، وهذا قول أهل التأويل قاطبة.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا هو الذي يشبه أن ترتجى إزالة الشك فيه من قبل أهل الكتاب، ويحتمل اللفظ أن يريد: بما أنزلنا جميع الشرع، ولكنه بعيد بالمعنى لأن ذلك لا يعرف ويزول الشك فيه إلا بأدلة العقل لا بالسماع من مؤمني بني إسرائيل، وقوله:
ولا تكونن من الذين كذبوا الآية، مما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمراد سواه.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولهذا فائدة ليست في مخاطبة الناس به، وذلك شدة التخويف، لأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من مثل هذا فغيره من الناس أولى أن يحذر ويتقي على نفسه.