قوله عز وجل:
فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون
لهذه الآية تأويلان:
أحدهما: أن تكون المخاطبة من النبي صلى الله عليه وسلم للكفار، أي: فإن لم يستجب من تدعونه إلى شيء من المعارضة ولا قدر جميعكم عليها فأذعنوا حينئذ واعلموا أنه من عند الله، ويأتي قوله:
فهل أنتم مسلمون متمكنا.
والثاني: أن تكون مخاطبة من الله تعالى للمؤمنين، أي: فإن لم يستجب الكفار إلى ما دعوا إليه من المعارضة فاعلموا أن ذلك من عند الله. وهذا على معنى: دوموا على علمكم، لأنهم كانوا عالمين بذلك. قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : قوله تعالى:
فهل أنتم مسلمون هو لأصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى:
بعلم الله يحتمل معنيين; أحدهما: بإذنه وعلى علم منه. والثاني: أنه أنزل بما علمه الله تعالى من الغيوب، فكأنه أراد: "المعلومات له"، وقوله:
فهل أنتم مسلمون تقرير.
[ ص: 550 ] وقوله تعالى:
من كان يريد الحياة الدنيا الآية، قالت فرقة: ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الكفرة. هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : هي في الكفرة وفي أهل الرياء من المؤمنين، وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية حين حدثه سيافه
شفي بن ماتع الأصبحي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل المتصدق، والمجاهد المقتول، والقائم بالقرآن ليله ونهاره -وكل ذلك رياء- أنهم أول من تسعر به النار يوم القيامة، فلما حدثه شفي بهذا الحديث بكى
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية وقال: صدق الله ورسوله، وتلا:
من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ... الآية، إلى قوله:
وباطل ما كانوا يعملون .
فأما من ذهب إلى أنها في الكفرة فمعنى قوله: "يريد" : يقصد ويعتمد، أي: هي وجهه ومقصده لا مقصد له غيرها. فالمعنى: من كان يريد بأعماله الدنيا فقط إذ لا يعتقد الآخرة فإن الله يجازيه على حسن أعماله -في الدنيا- بالنعم والحواس وغير ذلك: فمنهم مضيق عليه، ومنهم موسع له، ثم حكم عليهم بأنهم لا يحصل لهم يوم القيامة إلا بالنار، ولا تكون لهم حال سواها.
[ ص: 551 ] قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
فاستقام هذا المعنى على لفظ الآية. وهو عندي أرجح التأويلات بحسب تقدم ذكر الكفار المناقضين في القرآن، فإنما قصد بهذه الآية أولئك.
وأما من ذهب إلى أنها في العصاة من المؤمنين فمعنى "يريد" عنده: يحب ويؤثر ويفضل ويقصد، وإن كان له مقصد آخر بإيمانه، فإن الله يجازيه على تلك الأعمال الحسان -التي لم يعملها لله- بالنعم في الدنيا، ثم يأتي قوله:
ليس لهم بمعنى: ليس يجب لهم أو يحق لهم إلا النار، وجائز أن يتغمدهم الله برحمته، وهذا هو ظاهر ألفاظ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : هي في أهل الكتاب.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومعنى هذا أن أهل الكتاب الكفرة يدخلون في هذه الآية، لا أنها ليست في غيرهم.
وقرأ جمهور الناس: "نوف" بنون العظمة، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران : "يوف" بياء الغائب.
و"يبخسون" معناه: يعطون أقل من ثوابهم، و"حبط" معناه: بطل وسقط، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652630 "يقتل حبطا أو يلم" ، وهي مستعملة في فساد الأعمال، والضمير في
[ ص: 552 ] قوله: فيها عائد على الدنيا في الأولين وفي الثالثة عائد على الآخرة، ويحتمل أن يعود في الثلاثة على الدنيا ويحتمل أن تعود الثانية على الأعمال.
وقرأ جمهور الناس: "وباطل" بالرفع على الابتداء والخبر، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود : "وباطلا" بالنصب قال
nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم : ثبتت في أربعة مصاحف، والعامل فيه يعملون وما زائدة، التقدير: وباطلا كانوا يعملون. والباطل كل ما تقتضي ذاته ألا تنال به غاية في ثواب ونحوه وبالله التوفيق.