قوله عز وجل:
ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين
قوله:
ولا أقول عطف على قوله:
لا أسألكم عليه مالا ، ومعنى هذه الآية: أني لا أموه عليكم ولا أتعاطى غير ما أهلني الله له، فلست أقول عندي خزائن الله، يريد القدرة التي يوجد بها الشيء بعد حال عدمه، وقد يمكن أن يكون من الموجودات كالرياح والماء، ونحوه كثير بإبداع الله تعالى له، فإن سمي ذلك- على جهة التجوز- مختزنا فيشبه. ألا ترى المروي في في أمر ريح عاد أنه فتح عليهم من الريح قدر حلقة الخاتم، ولو كان على قدر منخر الثور لأهلك الأرض. وروي أن الريح عتت على الملائكة الموكلين بتقديرها فلذلك وصفها الله تعالى بالعتو، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: عتت على الخزان. فهذا ونحوه يقتضي أن ثم خزائن. ثم قال:
ولا أعلم الغيب ، ثم انحط على هاتين فقال:
ولا أقول إني ملك ، ظاهر هذه الآية فضل الملك على البشر وعلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي مسألة اختلاف. وظواهر القرآن على ما قلناه. وإن أخذنا قوله:
ولا أقول إني ملك على حد أن لو قال: "ولا أقول إني كوكب أو نحوه" زالت طريقة التفضيل، ولكن الظاهر هو ما ذكرنا.
و"تزدري" أصله: تزتري "تفتعل" من زرى يزري ومعنى "تزدري": تحتقر. و "الخير" هنا يظهر فيه أنه خير الآخرة، اللهم إلا أن يكون ازدراؤهم من جهة
[ ص: 567 ] الفقر، فيكون الخير المال وقد قال بعض المفسرين: حيثما ذكر الله الخير في القرآن فهو المال. وفي هذا الكلام تحامل، والذي يشبه أن يقال: إنه حيثما ذكر الخير فإن المال يدخل فيه.
وقوله:
الله أعلم بما في أنفسهم تسليم لله تعالى، أي: لست أحكم عليهم بشيء من هذا وإنما يحكم عليهم بذلك ويخرج حكمه إلى حيز الوجود الله تعالى الذي يعلم ما في نفوسهم ويجازيهم بذلك، وقال بعض المتأولين: هي رد على قولهم:اتبعك أراذلنا على ما يظهر منهم.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
حسبما تقدم في بعض تأويلات تلك الآية آنفا، فالمعنى لست أنا أحكم عليهم بألا يكون لهم خير بظنكم بهم أن بواطنهم ليست كظواهرهم، الله عز وجل أعلم بما في نفوسهم، ثم قال: "إني إذا" لو فعلت ذلك "لمن الظالمين" الذين يضعون الشيء في غير موضعه.
وقوله تعالى:
قالوا يا نوح قد جادلتنا الآية معناه: قد طال منك هذا الجدال، وهو المراجعة في الحجة والمخاصمة والمقابلة بالأقوال حتى تقع الغلبة، وهو مأخوذ من الجدل وهو شدة الفتل ومنه: حبل مجدول، أي ممر، ومنه قيل: للصقر أجدل لشدة بنيته وفتل أعضائه و "الجدال" فعال، مصدر فاعل، وهو يقع من اثنين، ومصدر فاعل يجيء على فعال وفيعال ومفاعلة، فتركت الياء من فيعال ورفضت. ومن الجدال ما هو محمود، وذلك إذا كان مع كافر حربي في منعته ويطمع بالجدال أن يهتدي، ومن ذلك هذه الآية، ومنه قوله تعالى:
وجادلهم بالتي هي أحسن إلى غير ذلك من الأمثلة. ومن الجدال ما هو مكروه، وهو ما يقع بين المسلمين بعضهم في بعض في طلب علل الشرائع وتصور ما يخبر الشرع به من قدرة الله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكرهه العلماء، والله المستعان.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "قد جادلتنا فأكثرت جدلنا" بغير ألف، وبفتح الجيم، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم .
والمراد بقولهم:
فأتنا بما تعدنا العذاب والهلاك، والمفعول الثاني لـ "تعدنا" مضمر تقديره: بما تعدناه. ولما كان الكلام يقتضي العذاب جاز أن يستعمل فيه الوعد.
[ ص: 568 ]