قوله عز وجل:
ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير : السبع هنا هي السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام،
[ ص: 316 ] والمص، والأنفال مع براءة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير : بل السابعة
يونس: وليست الأنفال وبراءة منها. و"المثاني" - على قول هؤلاء- القرآن كله، كما قال تعالى:
كتابا متشابها مثاني ، وسمي بذلك لأن القصص والأخبار تثنى فيه وتردد.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أيضا،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، وابن أبي مليكة، nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير، وجماعة: السبع هنا هي آيات الحمد، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هن سبع بالبسملة، وقال غيره: هن سبع دون البسملة، وروي في هذا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ونصه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=689173قال nindex.php?page=showalam&ids=34أبي: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك يا nindex.php?page=showalam&ids=34أبي سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها" ؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: "إني لأرجو أن لا تخرج من ذلك الباب حتى تعلمها"، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت معه، ويدي في يده، وجعلت أبطئ مخافة أن أخرج، فلما دنوت من باب المسجد قلت: يا رسول الله، السورة التي وعدتنيها؟ فقال: "كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة؟" قال: فقرأت الحمد لله رب العالمين حتى أكملت فاتحة الكتاب، فقال: "هي هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت"، كذا أو نحوه، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطأ، وهو مروي في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن
أبي سعيد بن المعلى أيضا. وروى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=63787 "أنها السبع المثاني، وأم القرآن، وفاتحة الكتاب"، وفي كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=14431الزهراوي : "وليس فيها بسملة". و"المثاني" -على قول هؤلاء- يحتمل أن يكون القرآن، فـ "من" للتبعيض، وقالت فرقة: بل أراد الحمد نفسها، كما قال:
الرجس من الأوثان فـ "من" لبيان الجنس، وسميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة، وقيل: سميت بذلك لأنها يثنى بها على الله تعالى، جوزه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج، وفي هذا القول من جهة التصريف نظر، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: سميت
[ ص: 317 ] بذلك لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة ولم يعطها لغيرها، وقال نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة. وقرأت فرقة: "والقرآن" بالخفض عطفا على "المثاني"، وقرأت فرقة: "والقرآن" بالنصب عطفا على قوله "سبعا".
وقال
زياد بن أبي مريم: المراد بقوله: "سبعا" أي سبع معان من القرآن خولناك فيها شرف المنزلة في الدنيا والآخرة، وهي: مر، وانه، وبشر، وأنذر، واضرب الأمثال، واعدد النعم، وفض الغيوب.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية :
السبع المثاني هي آية فاتحة الكتاب، وقد نزلت هذه السورة وما نزل من السبع الطوال شيء.
وقوله تعالى:
لا تمدن عينيك الآية. حكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة أنه قال: هذه الآية أمر بالاستغناء بكتاب الله عن جميع زينة الدنيا، وهي ناظرة إلى قوله عليه الصلاة والسلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656973 "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، أي: يستغني به، فكأنه قال: ولقد آتيناك عظيما خطيرا، فلا تنظر إلى غير ذلك من أمور الدنيا وزينتها التي متعنا بها أنواعا من هؤلاء الكفرة، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم صغيرا وصغر عظيما"، وكأن مد العين يقترن به تمن، ولذلك عبر عن الميل إلى زينة الدنيا بمد العين. و "الأزواج" هنا: الأنواع والأشباه.
وقوله:
ولا تحزن عليهم ، أي: لا تتأسف لكفرهم وهلاكهم، واصرف وجهك وتحفيك إلى من آمن بك، واخفض لهم جناحك، وهذه استعارة بمعنى: لين جناحك
[ ص: 318 ] ووطئ أكنافك. و"الجناح": الجانب والجنب، ومنه قوله:
واضمم يدك إلى جناحك ، فهو أمر بالميل إليهم، والجنوح: الميل.
وقل إني أنا النذير المبين ، أي: تمسك بهذا القدر العظيم الذي وهبناك، والكاف من قوله: "كما" متعلقة بفعل محذوف تقديره: وقل إني أنا النذير بعذاب كالذي أنزلناه على المقتسمين، والكاف اسم في موضع نصب، هذا قول المفسرين، وهو عندي غير صحيح; لأن "كما" ليست مما يقوله
محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو من قول الله تعالى له، فينفصل الكلام، وإنما يترتب هذا القول بأن نقدر أن الله تعالى قال له: تنذر عذابا كما، والذي أقول في هذا: إن المعنى: وقل أنا النذير كما قال قبلك رسلنا، وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك. ويحتمل أن يكون المعنى: وقل أنا النذير كما أنزلنا في الكتب أنك ستأتي نذيرا، وهذا على أن "المقتسمين" أهل الكتاب.
واختلف الناس في "المقتسمين". من هم؟ -فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : هم قوم
صالح الذين اقتسموا بالله لنبيتنه وأهله، فالمقتسمون -على هذا- من القسم.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويقلق هذا التأويل مع قوله تعالى:
الذين جعلوا القرآن عضين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير : المقتسمون هم أهل الكتاب الذين فرقوا دينهم، وجعلوا كتاب الله أعضاء، آمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقال نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
وقالت فرقة: المقتسمون هم من كفار
قريش الذين اقتسموا الطرق وقت المواسم ليعرفوا الناس بحال
محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلوا القرآن سحرا وشعرا وكهانة، فعضهوه بهذا وعضوه أعضاء بهذا التقسيم.
[ ص: 319 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة : المقتسمون هم قوم كانوا يستهزئون بسور القرآن، ويقول الرجل منهم: هذه السورة لي، ويقول الآخر: وهذه لي.
وقوله: "عضين" مفعول ثان، و"جعلوا" بمعنى "صيروا"، أي بألسنتهم ودعواهم، وأظهر ما فيه أنه جمع عضة، وهي الفرقة من الشيء، والجماعة من الناس كثبة وثبين، وعزة وعزين، وأصلها عضهة وثوبة، فالياء والنون عوض من المحذوف، كما قالوا سنة وسنون، إذ أصلها سنهة. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره: "عضين" مأخوذ من الأعضاء، أي عضوه فجعلوه أقساما وأعضاء، ومن ذلك قول الراجز:
وليس دين الله بالمعضى.
وهذا هو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبي عبيدة. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : "عضين" مأخوذ من العضه وهو السب المفحش،
فقريش عضهوا كتاب الله بقولهم: هو شعر، هو سحر، هو كهانة، وهذا هو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي . وقالت فرقة: "عضين" جمع عضة، وهي اسم للسحر خاصة بلغة
قريش ، ومنه قول الراجز:
للماء من عضاتهن زمزمه.
وقال هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة مولى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: العضه: السحر،
[ ص: 320 ] وهم يقولون للساحرة: العاضهة، وفي الحديث:
"لعن الله العاضهة والمستعضهة"، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومن قال: "جعلوه أعضاء" فإنما أراد: قسموه كما تقسم الجزور أعضاء.
وقوله تعالى:
فوربك لنسألنهم أجمعين إلى آخر الآية، ضمير عام، ووعيد محض يأخذ كل أحد منه بحسب جرمه وعصيانه، فالكافر يسأل عن "لا إله إلا الله"، وعن الرسل، وعن كفره وقصده، والمؤمن العاصي يسأل عن تضييعه، والإمام عن رعيته، وكل مكلف عما كلف القيام به، وفي هذا أحاديث.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية في تفسير هذه الآية:
يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة. عما كانوا يعبدون، وبماذا أجابوا المرسلين . وقال في تفسيرها
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد : إن السؤال عن "لا إله إلا الله"، وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14431الزهراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى:
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ، قال: يقال لهم: لم عملتم كذا وكذا؟ قال: وقوله تعالى:
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان معناه: لا يقال له: ما أذنبت؟ لأن الله تعالى أعلم بذنبه منه، ونفي السؤال هو نفي الاستفهام المحض، وإيجاب السؤال هو على جهة التقرير لهم والتوبيخ.