قوله عز وجل:
كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [ ص: 512 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد : المراد بـ "الناس": بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر
آدم ، أي كانوا على الفطرة.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : "الناس":
آدم وحده. وقال قوم:
آدم وحواء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : الناس: القرون التي كانت بين
آدم ونوح ، وهي عشرة، كانوا على الحق حتى اختلفوا، فبعث الله تعالى
نوحا فمن بعده.
وقال قوم: الناس:
نوح ومن في سفينته، كانوا مسلمين، ثم بعد ذلك اختلفوا.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا: كان الناس أمة واحدة كفارا، يريد في مدة
نوح ، حين بعثه الله.
وكان -على هذه الأقوال- هي على بابها من المضي المنقضي، وتحتمل الآية معنى سابعا وهو أن يخبر عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة، في خلوهم عن الشرائع، وجهلهم بالحقائق، لولا من الله عليهم وتفضله بالرسل، فـ "كان" على هذا للثبوت، لا تختص بالمضي فقط، وذلك كقوله تعالى: ( وكان الله غفورا رحيما ) .
والأمة: الجماعة على المقصد الواحد، ويسمى الواحد أمة إذا كان منفردا بمقصد، ومنه
قول النبي صلى الله عليه وسلم في قس بن ساعدة "يحشر يوم القيامة أمة وحده .
[ ص: 513 ] وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب : "كان البشر أمة واحدة"، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث"، وكل من قدر "الناس" في الآية مؤمنين قدر في الكلام "فاختلفوا"، وكل من قدرهم كفارا كانت بعثة النبيين إليهم. وأول الرسل -على ما ورد في الصحيح في حديث الشفاعة-
نوح لأن الناس يقولون له: أنت أول الرسل. والمعنى: إلى تقويم كفار، وإلا
فآدم مرسل إلى بنيه يعلمهم الدين والإيمان، و"مبشرين" معناه: بالثواب على الطاعة، و"منذرين" معناه: من العقاب على المعاصي، ونصب اللفظتين على الحال.
و"الكتاب" اسم الجنس، والمعنى جميع الكتب. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : الألف واللام في "الكتاب" للعهد، والمراد التوراة. و"ليحكم" مسند إلى الكتاب في قول الجمهور. وقال قوم: المعنى: ليحكم الله.
وقرأ
الجحدري : "ليحكم" على بناء الفعل للمفعول، وحكى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي "لنحكم".
[ ص: 514 ] قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأظنه تصحيفا لأنه لم يحك عنه البناء للمفعول كما حكى الناس، والضمير في "فيه" عائد على "ما" من قوله: "فيما"، والضمير في "فيه" الثانية يحتمل العود على "الكتاب"، ويحتمل على الضمير الذي قبله، و
الذين أوتوه أرباب العلم به والدراسة له. وخصهم بالذكر تنبيها منه تعالى على الشنعة في فعلهم، والقبح الذي واقعوه، و"البينات": الدلالات والحجج. و"بغيا" منصوب على المفعول له. والبغي: التعدي بالباطل. و"هدى": معناه: أرشد، وذلك خلق الإيمان في قلوبهم، وقد تقدم ذكر وجوه الهدى في سورة "الحمد". والمراد بـ "الذين آمنوا" من آمن
بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقالت طائفة: معنى الآية: أن الأمم كذب بعضهم كتاب بعض فهدى الله أمة
محمد التصديق بجميعها. وقالت طائفة: إن الله هدى المؤمنين للحق فيما اختلف فيه أهل الكتابين; من قولهم: إن
إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : من قبلتهم، فإن قبلة اليهود إلى
بيت المقدس والنصارى إلى المشرق . ومن يوم الجمعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688612هذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له، فلليهود غد وللنصارى بعد غد ، ومن صيامهم وجميع ما اختلفوا فيه.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : في الكلام قلب، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري قال: وتقديره "فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه"، ودعاه إلى هذا التقدير خوف أن يحتمل اللفظ أنهم اختلفوا في الحق، فهدى الله المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه، وعساه غير الحق في نفسه. نحا إلى هذا
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في حكايته عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وادعاء القلب على لفظ كتاب الله دون ضرورة; تدفع إلى ذلك عجز وسوء نظر، وذلك أن الكلام يتخرج على وجهه ورصفه لأن قوله: "فهدى" يقتضي أنهم أصابوا
[ ص: 515 ] الحق، وتم المعنى في قوله: "فيه". وتبين بقوله "من الحق" جنس ما وقع الخلاف فيه.
قال
المهدوي : وقدم لفظ الخلاف على لفظ الحق اهتماما، إذ العناية إنما هي بذكر الاختلاف.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وليس هذا عندي بقوي. وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : "لما اختلفوا عنه من الحق" أي عن الإسلام.
و"بإذنه" قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : معناه: بعلمه، وقيل: بأمره. والإذن هو العلم والتمكين، فإن اقترن بذلك أمر صار أقوى من الإذن بمزية.
وفي قوله تعالى:
والله يهدي من يشاء رد على المعتزلة في قولهم: إن العبد يستبد بهداية نفسه.
وقوله تعالى:
أم حسبتم الآية، "أم" قد تجيء لابتداء كلام بعد كلام وإن لم يكن تقسيم ولا معادلة ألف استفهام. وحكى بعض اللغويين أنها قد تجيء بمثابة ألف الاستفهام يبتدأ بها.
و"حسبتم" تطلب مفعولين; فقال النحاة: "أن تدخلوا" تسد مسد المفعولين لأن الجملة التي بعد "أن" مستوفاة المعنى، ويصح أن يكون المفعول الثاني محذوفا، تقديره: "أحسبتم دخولكم الجنة واقعا، ولما".
ولا يظهر أن يتقدر المفعول الثاني في قوله:
ولما يأتكم بتقدير: "أحسبتم دخولكم الجنة خلوا من أن يصيبكم ما أصاب من قبلكم"، لأن "خلوا" حال، والحال هنا إنما تأتي بعد توفية المفعولين، والمفعولان هما الابتداء، والخبر قبل دخول حسب،
[ ص: 515 ] و"البأساء" في المال، و"الضراء" في البدن. و"خلوا" معناه: انقرضوا، أي صاروا في خلاء من الأرض.
وهذه الآية نزلت في قصة الأحزاب، حين حصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في
المدينة ، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وأكثر المفسرين. وقالت فرقة: نزلت الآية تسلية
للمهاجرين الذين أصيبت أموالهم بعدهم في بلادهم، وفتنوا هم قبل ذلك.
و"مثل" معناه: "شبه". فالتقدير: أي شبه الذين "خلوا".
والزلزلة: شدة التحريك، تكون في الأشخاص، وفي الأحوال. ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن "زلزل" رباعي كـ "دحرج". وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هو تضعيف في زل فيجيء التضعيف على هذا في الفاء.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : "وزلزلوا، ويقول الرسول" بالواو بدل حتى.
وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : "وزلزلوا ثم زلزلوا ويقول الرسول" وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع : "يقول" بالرفع. وقرأ الباقون "يقول" بالنصب، فـ "حتى" غاية مجردة، تنصب الفعل بتقدير إلى أن. وعلى قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع كأنها اقترن بها تسبيب فهي حرف ابتداء ترفع الفعل.
وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين، ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك ولا ارتياب.
[ ص: 517 ] والرسول اسم الجنس، وذكره الله تعظيما للنازلة التي دعت الرسول إلى هذا القول.
وقالت طائفة: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: حتى يقول الذين آمنوا: متى نصر الله؟ فيقول الرسول:
ألا إن نصر الله قريب . فقدم الرسول في الرتبة لمكانته، ثم قدم قول المؤمنين لأنه المتقدم في الزمان.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا تحكم، وحمل الكلام على وجهه غير متعذر. 50 ويحتمل أن يكون:
ألا إن نصر الله قريب إخبارا من الله تعالى مؤتنفا بعد تمام ذكر القول.