قوله عز وجل:
وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين
روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فاستهزءا به فنزلت الآية بسببهما، وظاهر الآية أن كفار
قريش وعظماءهم يعمهم هذا المعنى من أنهم ينكرون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر آلهتهم، وذكره لهم بفساد. و "إن" بمعنى "ما"، وفي الكلام حذف تقديره: يقولون: أهذا الذي؟ وقوله: "يذكر" لفظ يعم المدح والذم لكن قرينة المقال أبدا تدل على المراد من الذكر، وتم ما حكى عنهم في قوله: "آلهتكم".
ثم رد عليهم بأن قرن بإنكارهم ذكر الأصنام كفرهم بذكر الله، أي: فهم أحق بالملام، وهم المخطئون. وقوله تعالى: "بذكر" أي: بما يجب أن يذكر به، و "لا إله إلا الله" منه. وقوله سبحانه:
بذكر الرحمن ، روي أن الآية نزلت حين أنكروا هذه اللفظة وقالوا: ما نعرف الرحمن إلا
باليمامة ، وظاهر الكلام أن "الرحمن" قصد به العبارة عن الله تعالى، كما لو قال: وهم بذكر الله، وهذا التأويل أغرق في ضلالهم وخطئهم.
وقوله تعالى:
خلق الإنسان من عجل توطئة للرد عليهم في استعجالهم العذاب، وطلبهم آية مقترحة، وهي مقرونة بعذاب مجهز إن كفروا بعد ذلك. ووصف تعالى الإنسان الذي هو اسم الجنس بأنه خلق من عجل، وهذا على جهة المبالغة، كما تقول للرجل البطال: أنت من لعب ولهو، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=907383لست من دد ولا دد مني . وهذا نحو قول الشاعر:
[ ص: 168 ] وأنا لمما نضرب الكبش ضربة على رأسه تلقي اللسان على الفم
كأنهم مما كانوا أهل ضرب للهام، وملازمة الضرب قال: إنهم من الضرب.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا التأويل يتم به معنى الآية المقصود في أن ذمت عجلتهم وقيل لهم على جهة الوعيد: إن الآيات ستأتي فلا تستعجلون، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى:
خلق الإنسان من عجل : إنه على المقلوب، كأنه أراد: خلق العجل من الإنسان، على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزءا من أخلاقه.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا التأويل ليس فيه مبالغة، وإنما هو إخبار مجرد، وإنما حمل قائليه عليه عدمهم وجه التجوز والاستعارة في أن يبقى الكلام على ترتيبه، ونظير هذا القلب الذي قالوه قول
العرب : "إذا طلعت الشعرى استوت العود على الحرباء"، وكما قالوا: "عرضت الناقة على الحوض"، وكما قال الشاعر:
حسرت كفي عن السربال آخذه فردا يجر على أيدي المفدينا
[ ص: 169 ] وأما المعنى في تأويل من رأى الكلام من المقلوب فكالمعنى الذي قدمناه، وقالت فرقة من المفسرين: قوله:
خلق الإنسان من عجل إنما أراد أن
آدم عليه السلام خلقه الله تعالى في آخر ساعة من يوم الجمعة فتعجل به قبل مغيب الشمس، وروى بعضهم أن
آدم عليه السلام قال: يا رب أكمل خلقي فإن الشمس على الغروب أو قد غربت.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا قول ضعيف، ومعناه لا يناسب معنى الآية. وقالت فرقة: العجل: الطين، والمعنى: خلق
آدم من طين، وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=15426النقاش :
................... والنخل ينبت بين الماء والعجل
وهذا أيضا ضعيف مغاير لمعنى الآية. وقالت فرقة: معنى
خلق الإنسان من عجل أي بقوله تعالى: "كن"، فهو حال عجلة.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا أيضا ضعيف، وفيه تخصيص ابن آدم بشيء كل مخلوق يشاركه فيه، وليس في هذه الأقوال ما يصح معناه ويلتئم مع الآية إلا القول الأول.
وقرأت فرقة: "خلق الإنسان" على بناء الفعل للمفعول، وقرأت فرقة: "خلق الإنسان" على معنى: خلق الله الإنسان، فمعنى الآية بجملتها
خلق الإنسان من عجل ، على معنى التعجب من تعجل هؤلاء المقصودين بالرد. ثم توعدهم بقوله:
سأريكم آياتي ، أي: سيأتي ما يسوؤكم إذا متم على كفركم، يريد يوم
بدر وغيره، ثم فسر
[ ص: 170 ] تعالى استعجالهم بقولهم:
متى هذا الوعد وكان استفهامهم على جهة الهزء والتكذيب، وقولهم:
إن كنتم صادقين يريدون
محمدا صلى الله عليه وسلم ومن آمن به; لأن المؤمنين كانوا يتوعدونهم على لسان الشرع، وموضع "متى" رفع عند البصريين ، وقال بعض الكوفيين : موضعه نصب على الظرف، والعامل فعل مقدر تقديره: يكون أو يجيء، والأول أصوب.