فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين
والفاء في قوله تعالى :
فأنجيناه فصيحة ، كما في قوله تعالى :
فانفجرت ; أي : فوقع ما وقع فأنجيناه .
والذين معه ; أي : في الدين .
برحمة ; أي : عظيمة لا يقادر قدرها .
وقوله تعالى :
منا ; أي : من جهتنا ، متعلق بمحذوف هو نعت لرحمة ، مؤكد لفخامتها الذاتية المنفهمة من تنكيرها بالفخامة الإضافية .
وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا ; أي : استأصلناهم بالكلية ، ودمرناهم عن آخرهم .
وما كانوا مؤمنين عطف على كذبوا ، داخل معه في حكم الصلة ; أي : أصروا على الكفر والتكذيب ، ولم يرعووا عن ذلك أبدا .
وتقديم حكاية الإنجاء على حكاية الإهلاك قد مر سره ، وفيه تنبيه على أن مناط النجاة هو الإيمان بالله تعالى وتصديق آياته ، كما أن مدار البوار هو الكفر والتكذيب .
وقصتهم أن
عادا قوم كانوا
باليمن بالأحقاف ، وكانوا قد تبسطوا في البلاد ما بين
عمان إلى
حضرموت ، وكانت لهم أصنام يعبدونها ، صدا ، وصمود ، وإلهبا ; فبعث الله تعالى إليهم
هودا نبيا ، وكان من أوسطهم وأفضلهم حسبا ، فكذبوه وازدادوا عتوا وتجبرا ، فأمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدوا ، وكان الناس إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله الفرج منه عند بيته الحرام ، مسلمهم ومشركهم ، وأهل
مكة إذ ذاك العماليق أولاد
عمليق ابن لاوذ بن سام بن نوح ، وسيدهم
معاوية بن بكر ، فجهزت
عاد إلى
مكة من أماثلهم سبعين رجلا منهم ، قيل :
ابن عنز ،
ومرثد بن سعد الذي كان يكتم إسلامه ، فلما قدموا نزلوا على
معاوية بن بكر ، وهو بظاهر
مكة خارجا عن
الحرم ; فأنزلهم وأكرمهم ، وكانوا أخواله وأصهاره ، فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر ، وتغنيهم قينتا
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، فلما رأى طول مقامهم وذهولهم باللهو عما قدموا له أهمه ذلك ، وقال : قد هلك أخوالي وأصهاري ، وهؤلاء على ما هم عليه ، وكان يستحيي أن يكلمهم خشية أن يظنوا به ثقل مقامهم عليه ، فذكر ذلك للقينتين ، فقالتا : قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله ، فقال معاوية :
ألا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل الله يسقينا غماما
فيسقي أرض عاد إن عادا
... قد امسوا لا يبنون الكلاما
فلما غنتا به قالوا : إن قومكم يتغوثون من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم ، فادخلوا
الحرم واستسقوا لقومكم ، فقال لهم
مرثد بن سعد : والله لا تسقون بدعائكم ، ولكن إن أطعتم نبيكم وتبتم إلى الله تعالى سقيتم ، وأظهر إسلامه ، فقالوا
لمعاوية : احبس عنا
مرثدا لا يقدمن معنا ، فإنه قد اتبع
هود وترك ديننا ، ثم دخلوا
مكة فقال : قيل : اللهم اسق
عادا ما كنت تسقيهم ; فأنشأ الله تعالى سحابات ثلاثا : بيضاء ، وحمراء ، وسوداء ، ثم ناداه مناد من السماء : يا قيل ; اختر لنفسك ولقومك ، فقال : اخترت السوداء ، فإنها أكثرهن ماء ، فخرجت على عاد من واد يقال له : المغيث ، فاستبشروا بها وقالوا :
هذا عارض ممطرنا ; فجاءتهم منا ريح عقيم فأهلكتهم ، ونجا
هود والمؤمنون معه فأتوا
مكة ، فعبدوا الله تعالى
[ ص: 241 ] فيها إلى أن ماتوا .