ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ثم بعثنا من بعدهم موسى ; أي : أرسلناه من بعد انقضاء
[ ص: 257 ] وقائع الرسل المذكورين ، أو من بعد هلاك الأمم المحكية ، والتصريح بذلك مع دلالة " ثم " على التراخي ، للإيذان بأن بعثه عليه الصلاة والسلام جرى على سنن السنة الإلهية من إرسال الرسل تترى . وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح ، لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر .
بآياتنا متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعول بعثنا ، أو صفة لمصدره ; أي : بعثناه عليه الصلاة والسلام ملتبسا بآياتنا ، أو بعثناه بعثا ملتبسا بها ، وهي الآيات التسع المفصلات التي هي : العصا ، واليد البيضاء ، والسنون ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، حسبما سيأتي على التفصيل .
إلى فرعون هو لقب لكل من ملك
مصر من العمالقة ، كما أن
كسرى لقب لكل من ملك
فارس ،
وقيصر لكل من ملك
الروم ، واسمه
قابوس ، وقيل :
الوليد بن مصعب بن ريان .
"ومثله" ; أي : أشراف قومه ، وتخصيصهم بالذكر مع عموم رسالته عليه الصلاة والسلام لقومه كافة ، حيث كانوا جميعا مأمورين بعبادة رب العالمين عز سلطانه ، وترك العظيمة الشنعاء التي كان يدعيها الطاغية ويقبلها منه فئته الباغية ، لأصالتهم في تدبير الأمور ، واتباع غيرهم لهم في الورود والصدور .
فظلموا بها ; أي : كفروا بها ، أجري الظلم مجرى الكفر لكونهما من واد واحد ، أو ضمن معنى الكفر أو التكذيب ; أي : ظلموا كافرين بها ، أو مكذبين بها ، أو كفروا بها مكان الإيمان الذي هو من حقها لوضوحها ، ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا .
وقيل : ظلموا أنفسهم بسببها بأن عرضوها للعذاب الخالد ، أو ظلموا الناس بصدهم عن الإيمان بها ، والمراد به : الاستمرار على الكفر بها إلى أن لقوا من العذاب ما لقوا ، ألا يرى إلى قوله تعالى :
فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فكما أن ظلمهم بها مستتبع لتلك العاقبة الهائلة ، كذلك حكاية ظلمهم بها مستتبع للأمر بالنظر إليها .
و" كيف " خبر كان قدم على اسمها لاقتضائه الصدارة ، والجملة في حيز النصب بإسقاط الخافض ; أي : فانظر بعين عقلك إلى كيفية ما فعلنا بهم ، ووضع المفسدين موضع ضمير " هم " للإيذان بأن الظلم مستلزم للإفساد .