أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون
وقوله تعالى :
أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا عطف على تقولوا ، و " أو " لمنع الخلو دون الجمع ; أي : هم اخترعوا الإشراك وهم سنوه .
من قبل ; أي : من قبل زماننا .
وكنا نحن .
ذرية من بعدهم لا نهتدي إلى السبيل ، ولا نقدر على الاستدلال بالدليل .
أفتهلكنا بما فعل المبطلون من آبائنا المضلين بعد ظهور أنهم المجرمون ، ونحن عاجزون عن التدبير والاستبداد بالرأي ، أو أتؤاخذنا فتهلكنا ... إلخ ; فإن ما ذكر من استعدادهم الكامل يسد عليهم باب الاعتذار بهذا أيضا ، فإن التقليد عند قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بها مما لا مساغ له أصلا .
هذا وقد حملت هذه المقاولة على الحقيقة ، كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما من أنه : لما خلق الله تعالى
آدم عليه السلام مسح ظهره ، فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، فقال :
ألست بربكم قالوا بلى ; فنودي يومئذ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : أنه سئل عن الآية الكريمة ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها ، فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=665371إن الله تعالى خلق آدم ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة [ ص: 291 ] وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون " .
وليس المعنى أنه تعالى أخرج الكل من ظهره عليه الصلاة والسلام بالذات ، بل أخرج من ظهره عليه السلام أبناءه الصلبية ، ومن ظهرهم أبناءهم الصلبية ، وهكذا إلى آخر السلسلة ، لكن لما كان المظهر الأصلي ظهره عليه الصلاة والسلام ، وكان مساق الحديثين الشريفين بيان حال الفريقين إجمالا من غير أن يتعلق بذكر الوسايط غرض علمي ، نسب إخراج الكل إليه .
وأما الآية الكريمة فحيث كانت مسوقة للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيان عدم إفادة الاعتذار بإسناد الإشراك إلى آبائهم ، اقتضى الحال نسبة إخراج كل واحد منهم إلى ظهر أبيهم ، من غير تعرض لإخراج الأبناء الصلبية
لآدم عليه السلام من ظهره قطعا .
وعدم بيان الميثاق في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه ليس بيانا لعدمه ولا مستلزما له ، وأما ما قالوا من أن أخذ الميثاق لإسقاط عذر الغفلة حسبما ينطق به قوله تعالى :
أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، ومعلوم أنه غير دافع لغفلتهم في دار التكليف ; إذ لا فرد من أفراد البشر يذكر ذلك فمردود ، لكن لا بما قيل من أن الله عز وجل قد أوضح الدلائل على وحدانيته ، وصدق رسله فيما أخبروا به ، فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد ولزمته الحجة ، ونسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق ، بل بأن قوله تعالى : "
أن تقولوا ... " إلخ ، ليس مفعولا له ; لقوله تعالى : "
وأشهدهم " ، وما يتفرع عليه من قوله : "
بلى شهدنا " ، حتى يجب كون ذلك الإشهاد ، والشهادة محفوظا لهم في إلزامهم ، بل لفعل مضمر ينسحب عليه الكلام .
والمعنى : فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر الميثاق وبيانه ; كراهة أن تقولوا ، أو لئلا تقولوا أيها
الكفرة يوم القيامة : إنا كنا غافلين عن ذلك الميثاق ، لم ننبه عليه في دار التكليف ، وإلا لعملنا بموجبه ، هذا على قراءة الجمهور ، وأما على القراءة بالياء فهو مفعول له لنفس الأمر المضمر العامل في إذ أخذ ، والمعنى : اذكر لهم الميثاق المأخوذ منهم فيما مضى ; لئلا يعتذروا يوم القيامة بالغفلة عنه ، أو بتقليد الآباء ، هذا على تقدير كون قوله تعالى : شهدنا من كلام الذرية ، وهو الظاهر .
فأما على تقدير كونه من كلامه تعالى ، فهو العامل في أن تقولوا ، ولا محذور أصلا ; إذ المعنى : شهدنا قولكم هذا ; لئلا تقولوا يوم القيامة ... إلخ ; لأنا نردكم ونكذبكم حينئذ .