[ ص: 54 ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء نهي لكل فرد من أفراد المخاطبين عن موالاة فرد من المشركين، بقضية مقابلة الجمع بالجمع الموجبة لانقسام الآحاد إلى الآحاد، كما في قوله عز وجل:
"وما للظالمين من أنصار" لا عن موالاة طائفة منهم، فإن ذلك مفهوم من النظم دلالة لا عبارة.
والآية نزلت في
المهاجرين ، فإنهم لما أمروا بالهجرة قالوا: إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشيرتنا، وذهبت تجاراتنا، وهلكت أموالنا، وخربت ديارنا، وبقينا ضائعين، فنزلت، فهاجروا، فجعل الرجل يأتيه ابنه، أو أبوه، أو أخوه، أو بعض أقاربه، فلا يلتفت إليه ولا ينزله ولا ينفق عليه، ثم رخص لهم في ذلك، وقيل: نزلت في التسعة الذين ارتدوا ولحقوا
بمكة نهيا عن موالاتهم.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930435«لا يطعم أحدكم طعم الإيمان حتى يحب في الله، ويبغض في الله، حتى يحب في الله أبعد الناس منه، ويبغض في الله أقرب الناس إليه». إن استحبوا الكفر أي: اختاروه
على الإيمان وأصروا عليه إصرارا لا يرجى معه الإقلاع عنه أصلا، وتعليق النهي عن الموالاة بذلك لما أنها قبل ذلك ربما تؤدي بهم إلى الإسلام بسبب شعورهم بمحاسن الدين.
ومن يتولهم أي: واحدا منهم - كما أشير إليه - وإفراد الضمير في الفعل لمراعاة لفظ الموصول، وللإيذان باستقلال كل واحد منهم في الاتصاف بالظلم، لا أن المراد تولي فرد واحد، وكلمة (من) في قوله تعالى:
منكم للجنس لا للتبعيض
فأولئك أي: أولئك المتولون
هم الظالمون بوضعهم الموالاة في غير موضعها، كأن ظلم غيرهم كلا ظلم عند ظلمهم.