ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم .
ربنا واجعلنا مسلمين لك : مخلصين لك؛ أو: مستسلمين؛ من "أسلم"؛ إذا استسلم؛ وانقاد؛ وأيا ما كان فالمطلوب الزيادة والثبات على ما كانا عليه من الإخلاص؛ والإذعان؛ وقرئ: "مسلمين"؛ على صيغة الجمع؛ بإدخال
هاجر معهما في الدعاء؛ أو لأن التثنية من مراتب الجمع؛
ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ؛ أي: واجعل بعض ذريتنا؛ وإنما خصاهم بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة؛ ولأنهم إذا صلحوا صلح الأتباع؛ وإنما خصا به بعضهم لما علما أن منهم ظلمة؛ وأن الحكمة الإلهية لا تقتضي اتفاق الكل على الإخلاص والإقبال الكلي على الله - عز وجل -؛ فإن ذلك مما يخل بأمر المعاش؛ ولذلك قيل: لولا الحمقى لخربت الدنيا؛ وقيل: أراد بالأمة المسلمة أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد جوز أن يكون "من" مبينة؛ قدمت على المبين؛ وفصل بها بين العاطف والمعطوف؛ كما في قوله (تعالى):
ومن الأرض مثلهن ؛ والأصل: وأمة مسلمة لك من ذريتنا؛
وأرنا ؛ من "الرؤية"؛ بمعنى: "الإبصار"؛ أو بمعنى: "التعريف"؛ أي: بصرنا؛ أو: عرفنا؛
مناسكنا ؛ أي: متعبداتنا في الحج؛ أو مذابحنا؛ والنسك في الأصل: غاية العبادة؛ وشاع في الحج لما فيه من الكلفة؛ والبعد عن العادة؛ وقرئ: "أرنا"؛ قياسا على "فخذ"؛ في "فخذ"؛ وفيه إحجاف؛ لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة؛ دليل عليها؛ وقرئ بالاختلاس؛
وتب علينا : استتابة لذريتهما؛ وحكايتها عنهما لترغيب الكفرة في التوبة؛ والإيمان؛ أو توبة لهما عما فرط منهما سهوا؛ ولعلمهما قالاه هضما لأنفسهما؛ وإرشادا لذريتهما؛
إنك أنت التواب الرحيم ؛ وهو تعليل للدعاء؛ ومزيد استدعاء للإجابة؛ قيل: إذا أراد العبد أن يستجاب له فليدع الله - عز وجل - بما يناسبه من أسمائه وصفاته.