[ ص: 115 ] 10 - سورة يونس عليه السلام
سورة
يونس - عليه السلام – مكية، وهي مائة وتسع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
الر تلك آيات الكتاب الحكيم الر بتفخيم الراء المفتوحة، وقرئ بالإمالة إجراء للأصلية مجرى المنقلبة عن الياء، وقرئ بين بين، وهو إما مسرود على نمط التعديد بطريق التحدي على أحد الوجهين المذكورين في فاتحة سورة البقرة، فلا محل له من الإعراب، وإما اسم للسورة كما عليه إطباق الأكثر، فمحله الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي: هذه السورة مسماة بـ"الر" وهو أظهر من الرفع على الابتداء لعدم سبق العلم بالتسمية بعد، فحقها الإخبار بها لا جعلها عنوان الموضوع لتوقفه على علم المخاطب بالانتساب كما مر، والإشارة إليها قبل جريان ذكرها لما أنها باعتبار كونها على جناح الذكر وبصدده صارت في حكم الحاضر، كما يقال: هذا ما اشترى فلان، أو النصب بتقدير فعل لائق بالمقام نحو: اذكر، أو اقرأ، وكلمة تلك إشارة إليها، إما على تقدير كون "الر" مسرودة على نمط التعديد، فقد نزل حضور مادتها التي هي الحروف المذكورة منزلة ذكرها فأشير إليها،كأنه قيل: هذه الكلمات المؤلفة من جنس هذه الحروف المبسوطة... إلخ، وإما على تقدير كونه اسما للسورة، فقد نوهت بالإشارة إليها بعد تنويهها بتعيين اسمها، أو الأمر بذكرها، أو بقراءتها، وما في اسم الإشارة من معنى البعد للتنبيه على بعد منزلتها في الفخامة، ومحله الرفع على أنه مبتدأ، خبره قوله تعالى:
آيات الكتاب .
وعلى تقدير كون "الر" مبتدأ فهو مبتدأ ثان، أو بدل من الأول، والمعنى: هي آيات مخصوصة منه مترجمة باسم مستقل، والمقصود ببيان بعضيتها منه وصفها بما اشتهر اتصافه به من النعوت الفاضلة والصفات الكاملة.
والمراد بـ"الكتاب" إما جميع القرآن العظيم - وإن لم ينزل الكل حينئذ - إما باعتبار تعينه وتحققه في علم الله عز وعلا، أو في اللوح، أو باعتبار أنه أنزل جملة إلى السماء الدنيا كما هو المشهور، فإن فاتحة الكتاب كانت مسماة بهذا الاسم وبأم القرآن في عهد النبوة، ولما يحصل المجموع الشخصي إذ ذاك، فلا بد من ملاحظة كل من الكتاب والقرآن بأحد الاعتبارات المذكورة.
وإما جميع القرآن النازل وقتئذ المتفاهم بين الناس إذ ذاك، فإنه كما يطلق على المجموع الشخصي يطلق على مجموع ما نزل في كل عصر، ألا يرى إلى ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر - رضي الله عنه - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651257كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: "أيهم أكثر أخذا للقرآن؟" فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، فإن ما يفهمه الناس من القرآن في ذلك الوقت، ويحافظون على التفاوت في أخذه إنما هو المجموع النازل حينئذ من غير
[ ص: 116 ] ملاحظة لتحقق المجموع الشخصي في علم الله سبحانه، أو في اللوح، ولا لنزوله جملة إلى السماء الدنيا.
الحكيم ذي الحكمة، وصف به لاشتماله على فنون الحكم الباهرة ونطقه بها، أو هو من باب وصف الكلام بصفة صاحبه، أو من باب الاستعارة المكنية المبنية على تشبيه الكتاب بالحكيم الناطق بالحكمة.
هذا وقد جعل الكتاب عبارة عن نفس السورة، وكلمة "تلك" إشارة إلى ما في ضمنها من الآي، فإنها في حكم الحاضر لا سيما بعد ذكر ما يتضمنها من السورة عند بيان اسمها، أو الأمر بذكرها، أو بقراءتها، وينبغي أن يكون المشار إليه حينئذ كل واحدة منها لا جميعها من حيث هو جميع؛ لأنه عين السورة، فلا يكون للإضافة وجه ولا لتخصيص الوصف بالمضاف إليه حكمة، فلا يتأتى ما قصد من مدح المضاف بما للمضاف إليه من صفات الكمال؛ ولأن في بيان اتصاف كل منها بالكمال من المبالغة ما ليس في بيان اتصاف الكل بذلك.
والمتبادر من الكتاب عند الإطلاق - وإن كان كله بأحد الوجهين المذكورين - لكن صحة إطلاقه على بعضه أيضا مما لا ريب فيها، والمعهود المشهور، وإن كان اتصاف الكل بأحد الاعتبارين بما ذكر من نعوت الكمال إلا أن شهرة اتصاف كل سورة منه بما اتصف به الكل مما لا ينكر، وعليه يدور تحقق مدح السورة بكونها بعضا من القرآن الكريم، إذ لولا أن بعضه منعوت بنعت كله داخل تحت حكمه لما تسنى ذلك، وفيه ما لا يخفي من التكلف والتعسف.