وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وما ظن الذين يفترون على الله الكذب كلام مسوق من قبله تعالى لبيان هول ما سيلقونه، غير داخل تحت القول المأمور به، والتعبير عنهم بالموصول في موقع الإضمار لقطع احتمال الشق الأول من الترديد، والتسجيل عليهم بالافتراء، وزيادة الكذب - مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا - لإظهار كمال قبح ما افتعلوا وكونه كذبا في اعتقادهم أيضا، وكلمة "ما" استفهامية وقعت مبتدأ، وظن خبرها، ومفعولاه محذوفان.
وقوله عز وجل:
يوم القيامة ظرف لنفس الظن، أي: أي شيء ظنهم في ذلك اليوم يوم عرض الأفعال والأقوال والمجازاة عليها مثقالا بمثقال، والمراد: تهويله وتفظيعه بهول ما يتعلق به مما يصنع بهم يومئذ، وقيل: هو ظرف لما يتعلق به ظنهم اليوم من الأمور التي ستقع يوم القيامة؛ تنزيلا له - ولما فيه من الأحوال لكمال وضوح أمره في التقرر والتحقق - منزلة المسلم عندهم، أي: أي شيء ظنهم لما سيقع يوم القيامة، أيحسبون أنهم لا يسألون عن افترائهم، أو لا يجازون عليه، أو يجازون جزاء يسيرا ولأجل ذلك يفعلون ما يفعلون؟ كلا إنهم لفي أشد العذاب؛ لأن معصيتهم أشد المعاصي، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، وقرئ على لفظ الماضي، أي: ظنوا يوم القيامة، وإيراد صيغة الماضي؛ لأنه كائن، فكأنه قد كان.
إن الله لذو فضل أي: عظيم، لا يكتنه كنهه
على الناس أي: جميعا، حيث أنعم عليهم بالعقل المميز بين الحق والباطل، والحسن والقبيح، ورحمهم بإنزال الكتب وإرسال الرسل، وبين لهم الأسرار التي لا تستقل العقول في إدراكها، وأرشدهم إلى ما يهمهم من أمر المعاش والمعاد
ولكن أكثرهم لا يشكرون تلك النعمة الجليلة فلا يصرفون قواهم ومشاعرهم إلى ما خلقت له، ولا يتبعون دليل العقل فيما يستبد به، ولا دليل الشرع فيما لا يدرك إلا به، وقد تفضل عليهم ببيان ما سيلقونه يوم القيامة، فلا يلتفتون إليه فيقعون فيما يقعون، فهو تذييل لما سبق مقرر لمضمونه.