صفحة جزء
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

ألا إن أولياء الله بيان على وجه التبشير والوعد لما هو نتيجة لأعمال المؤمنين، وغاية لما ذكر قبله من كونه تعالى مهيمنا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأمته في كل ما يأتون وما يذرون، وإحاطة علمه سبحانه بجميع ما في السماء والأرض، وكون الكل مثبتا في الكتاب المبين بعدما أشير إلى فظاعة حال المفترين على الله تعالى يوم القيامة، وما سيعتريهم من الهول إشارة إجمالية على طريق التهديد والوعيد، وصدرت الجملة بحرفي التنبيه والتحقيق؛ لزيادة تقرير مضمونها، والولي لغة القريب، والمراد بأولياء الله: خلص المؤمنين لقربهم الروحاني منه سبحانه وتعالى، كما سيفصح عنه تفسيرهم لا خوف عليهم في الدارين من لحوق مكروه ولا هم يحزنون من فوات مطلوب، أي: لا يعتريهم ما يوجب ذلك، لا أنه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون، ولا أنه لا يعتريهم خوف وحزن أصلا، بل يستمرون على النشاط والسرور ، كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله سبحانه وهيبته واستقصارا للجد والسعي في إقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين؟ والمراد: بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما، كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا لما مر مرارا من أن النفي إن دخل على نفس المضارع يفيد الاستمرار والدوام بحسب المقام، وإنما يعتريهم ذلك؛ لأن مقصدهم ليس إلا طاعة الله تعالى، ونيل رضوانه المستتبع للكرامة والزلفى، وذلك مما لا ريب في حصوله ولا احتمال لفواته بموجب الوعد بالنسبة إليه تعالى، وأما ما عدا ذلك من الأمور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهي بمعزل من الانتظام في سلك مقصدهم وجودا وعدما حتى يخافوا من حصول [ ص: 159 ] ضارها، أو يحزنوا بفوات نافعها.

وقوله عز وجل:

التالي السابق


الخدمات العلمية