وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها غذاؤها اللائق بها من حيث الخلق، ومن حيث الإيصال إليها بطريق طبيعي، أو إرادي لتكفله إياه تفضلا ورحمة، وإنما جيء به على طريق الوجوب؛ اعتبارا لسبق الوعد وتحقيقا لوصوله إليها البتة، وحملا للمكلفين على الثقة به تعالى، والإعراض عن إتعاب النفس في طلبه
ويعلم مستقرها محل قرارها في الأصلاب
ومستودعها موضعها في الأرحام وما يجري مجراها من البيض، ونحوها.
وإنما خص كل من الاسمين بما خص به من المحلين؛ لأن النطفة بالنسبة إلى الأصلاب في حيزها الطبيعي ومنشئها الخلقي، وأما بالنسبة إلى الأرحام وما يجري مجراها فهي مودعة فيها إلى وقت معين، أو مسكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة، ولعل تقديم محلها
[ ص: 187 ] باعتبار حالتها الأخيرة لرعاية المناسبة بينها وبين عنوان كونها دابة في الأرض، والمعنى: وما من دابة في الأرض إلا يرزقها الله تعالى حيث كانت من أماكنها يسوقه إليها، ويعلم موادها المتخالفة المندرجة في مراتب الاستعدادات المتفاوتة المتطورة في الأطوار المتباينة، ومقارها المتنوعة، ويفيض عليها في كل مرتبة ما يليق بها من مبادئ وجودها، وكمالاتها المتفرعة عليه، وقد فسر المستودع بأماكنها في الممات، ولا يلائمه مقام التكفل بأرزاقها.
كل من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها
في كتاب مبين أي: مثبت في اللوح المحفوظ البين لمن ينظر فيه من الملائكة عليهم السلام ، أو المظهر لما أثبت فيه للناظرين، ولما انتهى الأمر إلى أنه سبحانه محيط بجميع أحوال ما في الأرض من المخلوقات التي لا تكاد تحصى - من مبدأ فطرتها إلى منتهاها - اقتضى الحال التعرض لمبدأ خلق السماوات والأرض والحكمة الداعية إلى ذلك فقيل: