الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون .
الذين آتيناهم الكتاب : أي: علماؤهم؛ إذ هم العمدة في إيتائه؛ ووضع الموصول موضع المضمر؛ مع قرب العهد؛ للإشعار بعلية ما في حيز الصلة للحكم؛ والضمير المنصوب في قوله (تعالى):
يعرفونه ؛ للرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ والالتفات إلى الغيبة للإيذان بأن المراد ليس معرفتهم له - عليه الصلاة والسلام - من حيث ذاته؛ ونسبه الزاهر؛ بل من حيث كونه مسطورا في الكتاب؛ منعوتا فيه بالنعوت التي من جملتها أنه - عليه الصلاة والسلام - يصلي إلى القبلتين؛ كأنه قيل: الذين آتيناهم الكتاب يعرفون من وصفناه فيه؛ وبهذا يظهر جزالة النظم الكريم؛ وقيل: هو إضمار قبل الذكر؛ للإشعار بفخامة شأنه - عليه الصلاة والسلام - أنه علم معلوم بغير إعلام؛ فتأمل. وقيل: الضمير للعلم؛ أو سببه الذي هو الوحي؛ أو القرآن؛ أو التحويل؛ ويؤيد الأول قوله - عز وجل -:
كما يعرفون أبناءهم ؛ أي: يعرفونه - عليه الصلاة والسلام - بأوصافه الشريفة؛ المكتوبة في كتابهم؛ ولا يشتبه عليهم كما لا يشتبه أبناؤهم؛ وتخصيصهم بالذكر؛ دون ما يعم البنات؛ لكونهم أعرف عندهم منهن؛ بسبب كونهم أحب إليهم؛ عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - أنه سأل
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: أنا أعلم به مني بابني؛ قال: ولم؟ قال: لأني لست أشك فيه أنه نبي؛ فأما ولدي فلعل والدته خانت؛ فقبل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رأسه - رضي الله عنهما.
وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون : هم الذين كابروا وعاندوا الحق؛ والباقون هم الذين آمنوا منهم؛ فإنهم يظهرون الحق؛ ولا يكتمونه؛ وأما الجهلة منهم فليست لهم معرفة بالكتاب؛ ولا بما في تضاعيفه؛ فما هم بصدد الإظهار؛ ولا بصدد الكتم؛ وإنما كفرهم على وجه التقليد.