ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ويا قوم لا يجرمنكم أي لا يكسبنكم من جرمته ذنبا، مثل كسبته مالا
شقاقي معاداتي، وأصلهما أن أحد المتعاديين يكون في عدوة وشق والآخر في آخر
أن يصيبكم مفعول ثان لـ(يجرمنكم) أي: لا يكسبنكم معاداتكم لي أن يصيبكم
[ ص: 235 ] مثل ما أصاب قوم نوح من الغرق
أو قوم هود من الريح
أو قوم صالح من الصيحة والرجفة.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير بضم الياء من أجرمته ذنبا إذا جعلته جارما له، أي: كاسبا، وهو منقول من جرم المتعدي إلى مفعول واحد، كما نقل أكسبه المال من كسب المال، فكما لا فرق بين كسبته مالا وأكسبته إياه لا فرق بين جرمته ذنبا وأجرمته إياه في المعنى، إلا أن الأول أصح وأدور على ألسنة الفصحاء، وقرأ
أبو حيوة: (مثل ما أصاب) بالفتح لإضافته إلى غير متمكن كقوله:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أو قال
وهذا، وإن كان بحسب الظاهر نهيا للشقاق عن كسب إصابة العذاب، لكنه في الحقيقة نهي للكفرة عن مشاقته - عليه السلام - على ألطف أسلوب وأبدعه، كما مر في سورة المائدة عند قوله تعالى:
ولا يجرمنكم شنآن قوم ... الآية.
وما قوم لوط منكم ببعيد زمانا أو مكانا، فإن لم تعتبروا بمن قبلهم من الأمم المعدودة فاعتبروا بهم، فكأنه إنما غير أسلوب التحذير بهم، ولم يصرح بما أصابهم، بل اكتفي بذكر قربهم؛ إيذانا بأن ذلك مغن عن ذكره لشهرة كونه منظوما في سمط ما ذكر من دواهي الأمم المرقومة، أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمعاصي، فلا يبعد أن يصيبكم مثل ما أصابهم، وإفراد البعيد مع تذكيره؛ لأن المراد: (وما إهلاكهم) على نية المضاف، أو وما هم بشيء بعيد؛ لأن المقصود إفادة عدم بعدهم على الإطلاق، لا من حيث خصوصية كونهم قوما، أو ما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد، ولا يبعد أن يكون ذلك لكونه على زنة المصادر كالنهيق والشهيق.
ولما أنذرهم - عليه السلام - بسوء عاقبة صنيعهم عقبه؛ طمعا في ارعوائهم، عما كانوا فيه يعمهون من طغيانهم بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال: