يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون يوسف أيها الصديق أي: أرسل إليه فأتاه فقال: يا
يوسف، ووصفه بالمبالغة في الصدق - حسبما شاهده وذاق أحواله وجربها - لكونه بصدد اغتنام آثاره واقتباس أنواره، فهو من باب براعة الاستهلال
أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات أي: في رؤيا ذلك، وإنما لم يصرح به لوضوح مرامه بقرينة ما سبق من معاملتهما ولدلالة مضمون الحادثة عليه، حيث لا إمكان لوقوعه في عالم الشهادة، أي: بين لنا مآلها وحكمها، وحيث عاين علو رتبته - عليه السلام - في الفضل عبر عن ذلك بالإفتاء، ولم يقل - كما قال هو وصاحبه أولا -:
(نبئنا بتأويله) وفي قوله:
"أفتنا" مع أنه المستفتي وحده إشعار بأن الرؤيا ليست له، بل لغيره ممن له ملابسة بأمور العامة، وأنه في ذلك معبر وسفير كما آذن بذلك حيث قال:
لعلي أرجع إلى الناس أي: إلى الملك ومن عنده أو إلى أهل البلد إن كان السجن في الخارج - كما قيل - فأنبئهم بذلك
لعلهم يعلمون ذلك ويعملون بمقتضاه، أو يعلمون فضلك ومكانك مع ما أنت فيه من الحال فتتخلص منه، وإنما لم يبت القول في ذلك مجاراة معه على نهج الأدب واحترازا عن المجازفة، إذ لم يعلموه على يقين من الرجوع فربما اخترم دونه (لعل المنايا دون ما تعداني) ولا من علمهم بذلك فربما لم يعلموه.