ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ذلك إشارة إلى ما سبق من نبأ
يوسف ، وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا من الدلالة على بعد منزلته أو كونه بالانقضاء في حكم البعيد، والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو مبتدأ، خبره:
من أنباء الغيب الذي لا يحوم حوله أحد.
وقوله:
نوحيه إليك خبر بعد خبر، أو حال من الضمير في الخبر، ويجوز أن يكون ذلك اسما موصولا و(من أنباء الغيب) صلته، ويكون الخبر
(نوحيه إليك) وما كنت لديهم يريد إخوة
يوسف - عليه الصلاة والسلام -
إذ أجمعوا أمرهم وهو جعلهم إياه في غيابة الجب
وهم يمكرون به ويبغون له الغوائل حتى تقف على ظواهر أسرارهم وبواطنها، وتطلع على سرائرهم طرا، وتحيط بما لديهم خبرا، وليس المراد مجرد نفي حضوره - عليه الصلاة والسلام - في مشهد إجماعهم ومكرهم فقط، بل في سائر المشاهد أيضا، وإنما تخصيصه بالذكر لكونه مطلع القصة وأخفي أحوالها، كما ينبئ عنه قوله: "وهم يمكرون" والخطاب وإن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – لكن
[ ص: 309 ] المراد إلزام المكذبين.
والمعنى: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك إذ لا سبيل إلى معرفتك إياه سوى ذلك، إذ عدم سماعك ذلك من الغير وعدم مطالعتك للكتب أمر لا يشك فيه المكذبون أيضا، ولم تكن بين ظهرانيهم عند وقوع الأمر حتى تعرفه كما هو فتبلغه إليهم، وفيه تهكم بالكفار، فكأنهم يشكون في ذلك فيدفع شكهم، وفيه أيضا إيذان بأن ما ذكر من النبأ هو الحق المطابق للواقع، وما ينقله أهل الكتاب ليس على ما هو عليه، يعني أن مثل هذا التحقيق بلا وحي لا يتصور إلا بالحضور والمشاهدة، وإذ ليس ذلك بالحضور فهو بالوحي، ومثله قوله تعالى:
وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وقوله:
وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر