الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد الذين يستحبون الحياة الدنيا أي: يؤثرونها استفعال من المحبة، فإن المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها، وأفضل عندها من غيره.
على الآخرة أي: الحياة الآخرة الأبدية.
ويصدون الناس
عن سبيل الله التي بين شأنها، والاقتصار على الإضافة إلى الاسم الجليل المنطوي على كل وصف جميل لزوم الاختصار، وهو من صده صدا. وقرئ: (يصدون) من أصد المنقول من صد صدودا إذا نكب، وهو غير فصيح كأوقف. فإن في صده، ووقفه لمندوحة عن تكلف النقل.
ويبغونها أي: يبغون لها فحذف الجار، وأوصل الفعل إلى الضمير، أي: يطلبون لها
عوجا أي: زيغا، واعوجاجا. وهي أبعد شيء من ذلك. أي: يقولون لمن يريدون صده، وإضلاله إنها سبيل ناكبة، وزائغة غير مستقيمة، ومحل موصول هذه الصلات الجر، على أنه بدل من الكافرين، أو صفة له. فيعتبر كل وصف من أوصافهم بإزار ما يناسبه من المعاني المعتبرة في الصراط ، فالكفر المنبئ عن الستر بإزاء كونه نورا، واستحباب الحياة الدنيا الفانية المفصحة عن وخامة العاقبة، بمقابلة كون سلوكه محمود العاقبة، والصد عنه بإزاء كونه مأمونا، وفيه من الدلالة على تماديهم في الغي ما لا يخفى، أو النصب على الذم، أو الرفع على الابتداء. والخبر قوله تعالى:
أولئك في ضلال بعيد وعلى الأول جملة مستأنفة، وقعت معللة لما سبق من لحوق الويل بهم تأكيدا لما شعر به بناء الحكم على الموصول، أي: أولئك الموصوفون بالقبائح المذكورة من استحباب الحياة الدنيا على الآخرة وصد الناس عن سبيل الله المستقيمة، ووصفها بالاعوجاج. وهي منه بنزه في ضلال عن طريق الحق بعيد بالغ في ذلك غاية الغايات القاصية، والبعد وإن كان من أحوال الضال، إلا أنه قد وصف به وصفه مجازا للمبالغة، كجد جده. وداهية دهياء. ويجوز أن يكون المعنى في ضلال ذي بعد، أو فيه بعد ، فإن الضال قد يضل عن الطريق مكانا قريبا، وقد يضل بعيدا. وفي جعل الضلال محيطا بهم إحاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة.