ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ولقد بعثنا في كل أمة رسولا تحقيق لكيفية تعلق مشيئته تعالى بأفعال العباد بعد بيان أن الإلجاء ليس من وظائف الرسالة، ولا من باب المشيئة المتعلقة بما يدور عليه الثواب والعقاب من الأفعال الاختيارية لهم، أي: بعثنا في كل أمة من الأمم الخالية رسولا خاصة بهم.
أن اعبدوا الله يجوز أن تكون "أن" مفسرة لما في البعث من معنى القول، وأن تكون مصدرية، أي: بعثنا بأن اعبدوا الله وحده،
واجتنبوا الطاغوت [ ص: 113 ] هو الشيطان، وكل ما يدعو إلى الضلالة
فمنهم أي: من تلك الأمم، و "الفاء" فصيحة، أي: فبلغوا ما بعثوا به من الأمر بعبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت، فتفرقوا فمنهم
من هدى الله إلى الحق الذي هو عبادته، واجتناب الطاغوت بعد صرف قدرتهم، واختيارهم الجزئي إلى تحصيله.
ومنهم من حقت عليه الضلالة أي: وجبت، وثبتت إلى حين الموت لعناده وإصراره عليها، وعدم صرف قدرته إلى تحصيل الحق، وتغيير الأسلوب للإشعار بأن ذلك لسوء اختيارهم، كقوله تعالى:
وإذا مرضت فهو يشفين فلم يكن كل من مشيئة الهداية وعدمها إلا حسبما حصل منهم من التوجه إلى الحق، وعدمه إلا بطريق القسر والإلجاء، حتى يستدل بعدمهما على عدم تعلق مشيئته تعالى بعبادتهم له تعالى وحده،
فسيروا يا معشر
قريش في الأرض فانظروا في أكنافها
كيف كان عاقبة المكذبين من
عاد وثمود ، ومن سار سيرتهم ممن حقت عليه الضلالة، لعلكم تعتبرون حين تشاهدون في منازلهم وديارهم آثار الهلاك والعذاب، وترتيب الأمر بالسير على مجرد الإخبار بثبوت الضلالة عليهم من غير إخبار بحلول العذاب للإيذان بأنه غني عن البيان، وأن ليس الخبر كالعيان، وترتيب النظر على السير لما أنه بعده، وأن ملاك الأمر في تلك العاقبة هو التكذيب، والتعلل بأنه لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء.