وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم وضرب الله مثلا أي: مثلا آخر يدل على ما دل عليه المثل السابق على وجه أوضح وأظهر، وبعد ما أبهم ذلك لتنتظر النفس إلى وروده، وتترقبه حتى يتمكن لديها عند وروده بين فقيل:
رجلين أحدهما أبكم وهو من ولد أخرس
لا يقدر على شيء من الأشياء المتعلقة بنفسه، أو بغيره بحدس، أو فراسة لقلة فهمه، وسوء إدراكه.
وهو كل ثقل وعيال
على مولاه على من يعوله، ويلي أمره. وهذا بيان لعدم قدرته على إقامة مصالح نفسه بعد ذكر عدم قدرته على شيء مطلقا، وقوله تعالى:
أينما يوجهه أي: حيث يرسله مولاه في أمر ؛ بيان لعدم قدرته على إقامة مصالح مولاه، ولو كانت مصلحة يسيرة. وقرئ: على البناء للمفعول، وعلى صيغة الماضي من التوجه.
لا يأت بخير بنجح، وكفاية مهم البتة.
هل يستوي هو مع ما فيه من الأوصاف المذكورة
ومن يأمر بالعدل أي: من هو منطيق فهو ذو رأي وكفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الجامع لمجامع الفضائل،
وهو في نفسه مع ما ذكر من نفعه العام للخاص والعام.
على صراط مستقيم ومقابلة الصفات المذكورة بهذين الوصفين; لأنهما في حاق ما يقابلها، فإن محصل الصفات المذكورة عدم استحقاق المأمورية، وملخص هذين استحقاق كمال الآمرية المستتبع لحيازة المحاسن بأجمعها، وتغيير الأسلوب حيث لم يقل والآخر آمر بالعدل الآية لمراعاة الملائمة بينه وبين ما هو المقصود من بيان التباين بين القرينتين، واعلم أن كلا من الفعلين ليس المراد بهما حكاية الضرب الماضي بل المراد إنشاؤه بما ذكر عقيبه، ولا يبعد أن يقال إن الله تعالى ضرب مثلا بخلق الفريقين على ما هما عليه فكان خلقهما كذلك للاستدلال بعدم تساويهما على امتناع التساوي بينه سبحانه وبين ما يشركون، فيكون كل من الفعلين حكاية للضرب الماضي.