من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا من كان يريد بأعماله التي يعملها سواء كان ترتب المراد عليها بطريق الجزاء كأعمال البر، أو بطريق ترتب المعلولات على العلل كالأسباب، أو بأعمال الآخرة. فالمراد بـ "المريد" على الأول الكفرة، وأكثر الفسقة. وعلى الثاني أهل الرياء والنفاق، والمهاجر للدنيا، والمجاهد لمحض الغنيمة.
العاجلة فقط من غير أن يريد معها الآخرة كما ينبئ عنه الاستمرار المستفاد من زيادة كان ههنا مع الاقتصار على مطلق الإرادة في قسيمه. والمراد بـ "العاجلة" الدار الدنيا. وبإرادتها إرادة ما فيها من فنون مطالبها، كقوله تعالى:
ومن كان يريد حرث الدنيا ، ويجوز أن يراد الحياة العاجلة، كقوله عز وجل:
من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ، لكن الأول أنسب بقوله:
عجلنا له فيها أي: في تلك العاجلة فإن
[ ص: 164 ] الحياة، واستمرارها من جملة ما عجل له، فالأنسب بذلك كلمة من كما في قوله تعالى:
ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ما نشاء أي: ما نشاء تعجيله له من نعيمها لا كل ما يريد.
لمن نريد تعجيل ما نشاء له. وهو بدل من الضمير في "له" بإعادة الجار بدل البعض، فإنه راجع إلى الموصول المنبئ عن الكثرة، وقرئ: (لمن يشاء) على أن الضمير لله سبحانه. وقيل: هو لمن فيكون مخصوصا بـ "من" أراد به ذلك، وهو واحد من الدهماء، وتقييد المعجل والمعجل له بما ذكر من المشيئة والإرادة لما أن الحكمة التي عليها يدور فلك التكوين لا تقتضي وصول كل طالب إلى مرامه، ولا استيفاء كل واصل لما يطلبه بتمامه، وأما ما يتراءى من قوله تعالى:
من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون من نيل كل مؤمل لجميع آماله، ووصول كل عامل إلى نتيجة أعماله، فقد أشير إلى تحقيق القول فيه في سورة هود بفضل الله تعالى،
ثم جعلنا له مكان ما عجلنا له
جهنم ، وما فيها من أصناف العذاب
يصلاها يدخلها. وهو حال من الضمير المجرور، أو من جهنم، أو استئناف.
مذموما مدحورا مطرودا من رحمة الله تعالى، وقيل: الآية في المنافقين، كانوا يراءون المسلمين، ويغزون معهم، ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم، ونحوها. ويأباه ما يقال إن السورة مكية سوى آيات معينة.