ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد
إلا بالحق إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس معصومة عمدا. فالاستثناء مفرغ، أي: لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، أو ملتبسين أو ملتبسة بشيء من الأشياء. ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف، أي: لا تقتلوها قتلا ما إلا قتلا ملتبسا بالحق.
ومن قتل مظلوما بغير حق يوجب قتله، أو يبيحه للقاتل حتى إنه لا يعتبر إباحته لغير القاتل، فإن من عليه القصاص إذا قتله غير من له القصاص يقتص له، ولا يفيده قول الولي أنا أمرته بذلك، ما لم يكن الأمر ظاهرا.
فقد جعلنا لوليه لمن يلي أمره من الوارث، أو السلطان عند عدم الوارث
سلطانا تسلطا، واستيلاء على القاتل يؤاخذه بالقصاص، أو بالدية حسبما تقتضيه جنايته، أو حجة غالبة.
فلا يسرف وقرئ: (لا نسرف)
في القتل أي: لا يسرف الولي في أمر القتل بأن يتجاوز الحد المشروع، بأن يزيد عليه المثلة، أو بأن يقتل غير القاتل من أقاربه، أو بأن يقتل الاثنين مكان الواحد، كما يفعله أهل الجاهلية، أو بأن يقتل القاتل في مادة الدية. وقرئ: بصيغة النفي مبالغة في إفادة معنى النهي.
إنه كان منصورا تعليل للنهي. والضمير للولي على معنى أنه تعالى نصره بأن أوجب له القصاص، أو الدية، وأمر الحكام بمعونته في استيفاء حقه، فلا يبغ ما وراء حقه، ولا يستزد عليه، ولا يخرج من دائرة أمر الناصر، أو للمقتول ظلما على معنى أنه تعالى نصره بما ذكر فلا يسرف وليه في شأنه، أو للذي يقتله الولي ظلما وإسرافا، ووجه التعليل ظاهر. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أن الضمير في "لا يسرف" للقاتل الأول، ويعضده قراءة (فلا تسرفوا). والضميران في التعليل عائدان إلى الولي، أو المقتول. فالمراد بـ "الإسراف" حينئذ إسراف القاتل على نفسه بتعريضه لها للهلاك العاجل والآجل، لا الإسراف وتجاوز الحد في القتل، أي: لا يسرف على نفسه في شأن القتل، كما في قوله تعالى:
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم .