ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام .
ومن الناس من يعجبك قوله : تجريد للخطاب؛ وتوجيه له إليه - عليه الصلاة والسلام -؛ وهو كلام مبتدأ؛ سيق لبيان تحزب الناس في شأن التقوى إلى حزبين؛ وتعيين مآل كل منهما؛ و"من" موصولة؛ أو موصوفة؛ وإعرابه كما بين في قوله (تعالى):
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ؛ أي: ومنهم من يروقك كلامه؛ ويعظم موقعه في نفسك؛ لما تشاهد فيه من ملاءمة الفحوى؛ ولطف الأداء. والتعجب: حيرة تعرض للإنسان بسبب عدم الشعور؛ بسبب ما يتعجب منه؛
في الحياة الدنيا : متعلق بـ "قوله"؛ أي: ما يقوله في حق الحياة الدنيا؛ ومعناها؛ فإنها الذي يريده بما يدعيه من الإيمان؛ ومحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ وفيه إشارة إلى أن له قولا آخر؛ ليس بهذه الصفة؛ أو بـ "يعجبك"؛ أي: يعجبك قوله في الدنيا بحلاوته؛
[ ص: 211 ] وفصاحته؛ لا في الآخرة؛ لما أنه يظهر هناك كذبه؛ وقبحه؛ وقيل: لما يرهقه من الحبسة واللكنة؛ وأنت خبير بأنه لا مبالغة حينئذ في سوء حاله؛ فإن مآله بيان حسن كلامه في الدنيا؛ وقبحه في الآخرة؛ وقيل: معنى "في الحياة الدنيا": "مدة الحياة الدنيا"؛ أي: لا يصدر منه فيها إلا القول الحسن؛
ويشهد الله على ما في قلبه ؛ أي: بحسب ادعائه؛ حيث يقول: "الله يعلم أن ما في قلبي موافق لما في لساني"؛ وهو عطف على "يعجبك"؛ وقرئ: "ويشهد الله"؛ فالمراد بما في قلبه: ما فيه حقيقة؛ ويؤيده قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -: "والله يشهد على ما في قلبه"؛ على أن كلمة "على" لكون المشهود به مضرا له؛ فالجملة اعتراضية؛ وقرئ: "ويستشهد الله"؛
وهو ألد الخصام ؛ أي: شديد العداوة والخصومة للمسلمين؛ على أن "الخصام"؛ مصدر؛ وإضافة "ألد" إليه بمعنى "في"؛ كقولهم: "ثبت العذر"؛ أو "أشد الخصوم لهم خصومة"؛ على أنه جمع "خصم"؛ كـ "صعب"؛ و"صعاب"؛ قيل: نزلت في
الأخنس بن شريق الثقفي؛ وكان حسن المنظر؛ حلو المنطق؛ يوالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ويدعي الإسلام؛ والمحبة؛ وقيل: في المنافقين؛ والجملة حال من الضمير المجرور في "قوله"؛ أو من المستكن في "يشهد"؛ وعطف على ما قبلها؛ على القراءتين المتوسطتين.