إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا إذ قال بدل اشتمال من
إبراهيم ، وما بينهما اعتراض مقرر لما قبله، أو متعلق بـ"كان"، أو بـ"نبيا، وتعليق الذكر بالأوقات مع أن المقصود تذكير ما وقع فيها من الحوادث قد مر سره مرارا، أي: كان جامعا بين الأثرتين حين قال:
لأبيه آزر متلطفا في الدعوة مستميلا له.
يا أبت أي: يا أبي. فإن التاء عوض عن ياء الإضافة، ولذلك لا يجتمعان، وقد قيل: يا أبتا، لكون الألف بدلا من الياء.
لم تعبد ما لا يسمع ثناءك عليه عند عبادتك له، وجؤارك إليه.
ولا يبصر خضوعك، وخشوعك بين يديه، أو لا يسمع ولا يبصر شيئا من المسموعات، والمبصرات فيدخل في ذلك
[ ص: 267 ] ما ذكر دخولا أوليا.
ولا يغني أي: لا يقدر على أن يغني.
عنك شيئا في جلب نفع، أو دفع ضر. ولقد سلك عليه السلام في دعوته أحسن منهاج، وأقوم سبيل، واحتج عليه أبدع احتجاج بحسن أدب وخلق جميل، لئلا يركب متن المكابرة والعناد، ولا ينكب بالكلية عن محجة الرشاد، حيث طلب منه علة عبادته لما يستخف به عقل كل عاقل من عالم وجاهل، ويأبى الركون إليه فضلا عن عبادته التي هي الغاية القاصية من التعظيم، مع أنها لا تحق إلا لمن له الاستغناء التام، والإنعام العام الخالق الرازق المحيي المميت المثيب المعاقب. ونبه على أن العاقل يجب أن يفعل كل ما يفعل لداعية صحيحة، وغرض صحيح، والشيء لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا قادرا على النفع والضر، مطيقا بإيصال الخير والشر، لو كان ممكنا لاستنكف العقل السليم عن عبادته، وإن كان أشرف الخلائق لما يراه مثله في الحاجة، والانقياد للقدرة القاهرة الواجبة. فما ظنك بجماد مصنوع من حجر، أو شجر ليس له من أوصاف الإحياء عين، ولا أثر؟ ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه إلى الحق المبين لما أنه لم يكن محظوظا من العلم الإلهي مستقلا بالنظر السوي مصدرا لدعوته بما مر من الاستمالة والاستعطاف حيث قال: