إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى
وقوله تعالى :
إذ رأى نارا ظرف للحديث . وقيل : لمضمر مؤخر ، أي : حين رأى نارا كان كيت وكيت . وقيل : مفعول لمضمر مقدم ، أي : اذكر وقت رؤيته نارا . روي أنه عليه الصلاة والسلام استأذن
شعيبا عليهما الصلاة والسلام في الخروج إلى أمه وأخيه ، فخرج بأهله وأخذ على غير الطريق مخافة من ملوك
الشام . فلما وافى
وادي طوى وهو بالجانب الغربي من الطور ، ولد له ولد في ليلة مظلمة شاتية مثلجة ، وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق ، وتفرقت ماشيته ، ولا ماء عنده وقدح ، فصلد زنده ، فبينما هو في ذلك ، إذ رأى نارا على يسار الطريق من جانب الطور ،
فقال لأهله امكثوا أي : أقيموا مكانكم ، أمرهم عليه الصلاة والسلام بذلك لئلا يتبعوه فيما عزم عليه الصلاة والسلام من الذهاب إلى النار كما هو المعتاد لا لئلا ينتقلوا إلى موضع آخر ، فإنه مما لا يخطر بالبال ، والخطاب للمرأة والولد والخادم ، وقيل لها وحدها ، والجمع إما لظاهر لفظ الأهل ، أو للتفخيم كما في قول من قال : [وإن شئت حرمت النساء سواكم] .
إني آنست نارا أي : أبصرتها إبصارا بينا لا شبهة فيه . وقيل : الإيناس خاص بإبصار ما يؤنس به . والجملة تعليل للأمر أو المأمور به .
لعلي آتيكم منها أي : أجيئكم من النار .
بقبس أي : بشعلة مقتبسة من معظم النار ، وهي المرادة بالجذوة في (سورة القصص ) وبالشهاب القبس .
أو أجد على النار هدى هاديا يدلني على الطريق ، على أنه مصدر سمي به الفاعل مبالغة ، أو حذف منه المضاف . أي : ذا هداية . أو على أنه إذا وجد الهادي فقد وجد الهدى . وقيل : هاديا يهديني إلى أبواب الدين ، فإن أفكار الأبرار مغمورة بالهمة الدينية في عامة أحوالهم لا يشغلهم عنها شاغل . والأول هو الأظهر ، لأن مساق النظم الكريم لتسلية أهله . وقد نص عليه في (سورة القصص ) حيث قيل :
لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة الآية . وكلمة "أو" في الموضعين لمنع الخلو دون منع الجمع . ومعنى الاستعلاء في قوله
[ ص: 7 ] تعالى :
"على النار" أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها ، أو لأنهم عند الاصطلاء يكتنفونها قياما وقعودا فيشرفون عليها ، ولما كان الإتيان بهما مترقبا غير محقق الوقوع ، صدر الجملة بكلمة الترجي ، وهي إما علة لفعل قد حذف ثقة بما يدل عليه من الأمر بالمكث والإخبار بإيناس النار وتفاديا عن التصريح بما يوحشهم ، وإما حال من فاعله ، أي : فأذهب إليها لآتيكم أو كي آتيكم أو راجيا أن آتيكم منها بقبس . الآية . وقد مر تحقيق ذلك مفصلا في تفسير قوله تعالى :
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون