قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى
وكان نجواهم ما نطق به قوله تعالى :
قالوا أي : بطريق التناجي والإسرار
إن هذان لساحران إلخ . فإنه تفسير له ، ونتيجة لتنازعهم وخلاصة ما استقرت عليه آراؤهم بعد التناظر والتشاور . وإن مخففة من "أن" قد أهملت عن العمل ، واللام فارقة . وقرئ بتشديد نون "هذان" . وقيل : هي نافية ، واللام بمعنى : إلا أي: ما هذان إلا ساحران . وقرئ : "إن" بالتشديد ، و"هذان" اسمها على لغة
بلحارث بن كعب فإنهم يعربون التثنية تقديرا ، وقيل : اسمها ضمير الشأن المحذوف "وهذان لساحران" خبرها . وقيل : "إن" بمعنى "نعم" ، وما بعدها جملة من مبتدإ وخبر ، وفيهما أن اللام لا تدخل خبر المبتدإ . وقيل : أصله : إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير ، وفيه أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف . وقرئ : "إن هذين لساحران" وهي قراءة واضحة .
يريدان أن يخرجاكم من أرضكم أي : أرض مصر ، بالاستيلاء عليها
بسحرهما الذي أظهراه من قبل
ويذهبا بطريقتكم المثلى أي : بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب وأمثلها ، بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما ، يريدون به ما كان عليه قوم
فرعون لا طريقة السحر ، فإنهم ما كانوا يعتقدونه دينا ، وقيل : أرادوا أهل طريقتكم ، وهم بنو إسرائيل ، لقول
موسى عليه الصلاة والسلام :
أرسل معنا بني إسرائيل وكانوا أرباب علم فيما بينهم ، ويأباه أن إخراجهم من أرضهم إنما يكون الاستيلاء عليها تمكنا وتصرفا ، فكيف يتصور حينئذ نقل بني إسرائيل إلى
الشام ؟ ، وحمل الإخراج على إخراج بني إسرائيل منها مع بقاء قوم
فرعون على حالهم مما يجب تنـزيه التنزيل عن أمثاله ، على أن هذه المقالة منهم للإغراء بالمبالغة في المغالبة والاهتمام بالمناصبة ، فلا بد أن يكون الإنذار والتحذير بأشد المكاره وأشقها عليهم ، ولا ريب في أن إخراج بني إسرائيل من بنيهم والذهاب بهم إلى
الشام وهم آمنون في ديارهم ليس فيه كثير محذور . وقيل : الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم ، لما أنهم قدوة لغيرهم ، ولا يخفى أن تخصيص الإذهاب بهم مما لا مزية فيه .