ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ولقد أوحينا إلى موسى حكاية إجمالية لما انتهى إليه أمر فرعون وقومه ، وقد طوي في البين ذكر ما جرى عليهم من الآيات المفصلات الظاهرة على يد
موسى عليه الصلاة والسلام ، بعد ما غلب السحرة في نحو من عشرين سنة حسبما فصل في (سورة الأعراف ) . وتصديرها بالقسم لإبراز كمال العناية بمضمونها . و"أن" في قوله تعالى :
أن أسر بعبادي إما مفسرة لأن الوحي فيه معنى القول ، أو مصدرية حذف عنها الجار . والتعبير عنهم بعنوان كونهم عبادا له تعالى لإظهار المرحمة والاعتناء بأمرهم ، والتنبيه على غاية قبح صنيع
فرعون بهم ، حيث استعبدهم وهم عباده عز وجل وفعل بهم من فنون الظلم ما فعل ، أي : وبالله لقد أوحينا إليه عليه الصلاة والسلام أن أسر بعبادي الذين أرسلتك لإنقاذهم من ملكة فرعون ، أي : سر بهم من مصر ليلا .
فاضرب لهم أي : فاجعل ، أو فاتخذ لهم
طريقا في البحر يبسا أي : يابسا ، على أنه مصدر وصف به الفاعل مبالغة . وقرئ : "يبسا" وهو إما مخفف منه ، أو وصف كصعب ، أو جمع يابس كصحب ، وصف به الواحد للمبالغة ، أو لتعدده حسب تعدد الأسباط .
لا تخاف دركا حال من المأمور ، أي : آمنا من أن يدرككم العدو ، أو صفة أخرى لطريقا ، والعائد محذوف . وقرئ : "لا تخف" جوابا للأمر .
ولا تخشى عطف على لا تخاف داخل في حكمه ، أي : ولا تخشى الغرق . وعلى قراءة الجزم استئناف ، أي : وأنت لا تخشى ، أو عطف عليه ، والألف للإطلاق ، كما في قوله تعالى :
وتظنون بالله الظنونا وتقديم نفي الخوف المذكور للمسارعة إلى إزاحة
[ ص: 32 ] ما كانوا عليه من الخوف العظيم حيث قالوا :
إنا لمدركون