قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري قال استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذاره عليه الصلاة والسلام ، وهو السر في وروده على صيغة الغائب لا أنه التفات من التكلم إلى الغيبة لما أن المقدر فيما سبق من الموضعين على صيغة التكلم كأنه قيل من جهة السامعين . فماذا قال له ربه حينئذ ؟ فقيل : قال :
فإنا قد فتنا قومك من بعدك أي : ابتليناهم بعبادة العجل من بعد ذهابك من بينهم ، وهم الذين خلفهم مع هارون عليه الصلاة والسلام ، وكانوا ستمائة ألف ، ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا . والفاء لترتيب الإخبار بما ذكر من الابتلاء على إخبار
موسى عليه الصلاة والسلام بعجلته ، لكن لا لأن الإخبار بها سبب موجب للإخبار به ، بل لما بينهما من المناسبة المصححة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث إن مدار الابتلاء المذكور عجلة القوم ، فإنه روي أنهم أقاموا على ما وصى به
موسى عليه الصلاة والسلام عشرين ليلة بعد ذهابه فحسبوها مع أيامها أربعين ، وقالوا : قد أكملنا العدة ، وليس من
موسى عليه الصلاة والسلام عين ولا أثر .
وأضلهم السامري حيث كان هو المدبر في الفتنة ، فقال لهم : إنما أخلف
موسى عليه الصلاة والسلام ميعادكم لما معكم من حلي القوم ، وهو حرام عليكم فكان من أمر العجل ما كان ، فأخبره تعالى بوقوع هذه الفتنة عند قدومه عليه الصلاة والسلام ، إما باعتبار تحققها في علمه تعالى ومشيئته ، وإما بطريق التعبير عن المتوقع بالواقع كما في قوله تعالى :
ونادى أصحاب الجنة ونظائره ، أو لأن
السامري كان قد عزم على إيقاع الفتنة عند ذهاب
موسى عليه الصلاة والسلام وتصدى لترتيب مبانيها وتمهيد مباديها فكانت الفتنة واقعة عند الإخبار بها . وقرئ : "وأضلهم السامري" على صيغة التفضيل ، أي : أشدهم ضلالا ، لأنه ضال ومضل .
والسامري: منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل ، يقال لها : السامرة ، وقيل : كان علجا من كرمان ، وقيل : من أهل باجرما ، واسمه
موسى بن ظفر ، وكان منافقا قد أظهر الإسلام ، وكان من قوم يعبدون البقر .